الإشارة : تنسحب الآية من طريق الإشارة على من رام النهوض إلى الله ، بصحبة الرجال فى طريق التجريد ، فينهاه رفقاؤه ، فيخالفهم ، وينهض إلى الله ، فإذا كان يوم القيامة رفع مع المقربين ، فيقول لهم : إنى كان قرين ينكر طريق الخصوص ، وينهانى عن صحبتهم ، فيطلع عليه ، فيراه فى أسفل الجنة ، مع عامة أهل اليمين ، فيحمد الله على مخالفته ، ويقول : لو لا نعمة ربى لكنت من المحضرين معك. قال القشيري : فيقول الولىّ له : إن كدتّ لتردين ، لو لا نعمة ربى. نطقوا بالحق ، ولكنهم لم يصرّحوا بعين التوحيد ؛ إذ جعلوا الفضل واسطة ، والأولى أن يقول : ولو لا ربى لكنت من المحضرين. ثم يقول : لمثل هذا فليعمل العاملون. ثم قال : فإذا بدت شظية ، من الحقائق ، أو ذرة من نسيم القرية ، فبالحرىّ أن يقول القائل : لمثل هذا الحال تبذل الأرواح ، وأنشدوا :
على مثل ليلى يقتل المرء نفسه |
|
وإن بات من ليلى على اليأس طاويا(١) ه. |
ثم قال تعالى :
(أَذلِكَ خَيْرٌ نُزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ (٦٢) إِنَّا جَعَلْناها فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ (٦٣) إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (٦٤) طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ (٦٥) فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْها فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ (٦٦) ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْها لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ (٦٧) ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ (٦٨) إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آباءَهُمْ ضالِّينَ (٦٩) فَهُمْ عَلى آثارِهِمْ يُهْرَعُونَ (٧٠) وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ (٧١) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ (٧٢) فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (٧٣) إِلاَّ عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ (٧٤))
يقول الحق جل جلاله : (أَذلِكَ خَيْرٌ نُزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ) أي : أنعيم الجنة وما فيها من اللذات ، والطعام ، والشراب ، خير نزلا أم شجرة الزقوم؟ النزل : ما يقدم للنازل من الرزق. و «نزلا» : تمييز ، وفى ذكره : تنبيه على أن ما ذكر من النعيم لأهل الجنة بمنزلة ما يقدم للنازل ، ولهم من وراء ذلك ما تقصر عنه الأفهام ، وكذلك الزقوم لأهل النار. قال ابن عطية : فى البلاد الجدبة المجاورة للصحارى شجرة ، مرّة ، مسمومة ، لها لبن ، إن مسّ جسم أحد تورّم ومات منه ، فى غالب الأمر ، تسمّى شجرة الزقوم. والتزقم : البلع على شدة وجهد. ه. وفى
__________________
(١) البيت لمجنون ليلى. انظر : ديوانه : / ٢٩٦ وتزيين الأسواق / ١٢٨. وجاء فى لطائف الإشارات : (سلمى) بدل (ليلى).