الحديث : «لو أن قطرة من الزقوم قطرت فى بحار الدنيا لأفسدت على أهل الأرض معايشهم. فكيف بمن يكون الزقوم طعامه!» (١). وقال ابن عرفه : هذه الشجرة يحتمل أن تكون واحدة بالنوع ، فيكون كل جهة من جهات جهنم فيها شجرة ، أو : تكون واحدة بالشخص. ه.
(إِنَّا جَعَلْناها فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ) ؛ محنة وعذابا لهم فى الآخرة ، وابتلاء لهم فى الدنيا. وذلك أنهم قالوا : كيف تكون فى النار شجرة ، والنار تحرق الشجر؟ ولم يعلموا أن من قدر على خلق حيوان يعيش فى النار ويتلذذ بها ـ وهو السمندل ـ (٢) كيف لا يقدر على خلق شجر فى النار ، وحفظه من الإحراق؟ (إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ) ، قيل : منبتها فى قعر جهنم ، وأغصانها ترتفع إلى دركاتها ، وهذا يؤيد أنها واحدة بالشخص.
(طَلْعُها) أي : حملها (كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ) ، الطلع للنخلة ، فاستعير لما يطلع من شجرة الزقوم من حملها ، وشبه برؤوس الشياطين للدلالة على تناهيه فى الكراهة ، وقبح المنظر ؛ لأن الشيطان مكروه مستقبح فى طباع الناس ؛ لاعتقادهم أنه شرّ محض. وقيل : الشياطين : حيّات هائلة ، قبيحة المنظر ، لها أعراف يقال لها شياطين. وقيل : شبه بما استقر فى النفوس من كراهة رؤوس الشياطين وقبحها ، وإن كانت لا ترى ، كما شبهوا سنان الرماح بأنياب أغوال ، كما قال امرؤ القيس :
أيقتلني والمشرفىّ مضاجعى |
|
ومسنونة زرق كأنياب أغوال (٣) |
(فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْها) أي : من طلع تلك الشجرة ، (فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ) مما يبلغهم من الجوع الشديد ، فيملؤون بطونهم منها مع تناهى بشاعتها ، (ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْها) ؛ على أكلها ، أي : بعد ما شبعوا منها ، وغلبهم العطش ، وطال استقاؤهم ، (لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ) أي : لشرابا من غساق ، أو : حديد ، مشوبا بماء حار ، يشوى وجوههم ، ويقطع أمعاءهم ، فى مقابلة ما قال فى شراب أهل الجنة : (وَمِزاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ) (٤) وأتى ب «ثم» ؛ لما فى شرابهم من مزيد البشاعة والكراهة ؛ فإنّ الزقوم حار محرق ، وشرابهم أشد حرا وإحراقا.
__________________
(١) أخرجه الترمذي وصححه فى (صفة جهنم ، باب ما جاء فى صفة شراب أهل النار ، ٤ / ٦٠٩ ، ح ٢٥٨٥) ، وابن ماجة فى (الزهد ، باب صفة النار ، ٢ / ٤٤٦ ، ح ٤٣٢٥) وابن حبان (ح ٧٤٧٠) والحاكم (٢ / ٢٩٤) وصححه ، من حديث ابن عباس ـ رضى الله عنهما.
(٢) السمندل : طائر إذا انقطع نسله ، وهرم ، ألقى نفسه فى الجمر ، فيعود إلى شبابه. وقيل : هو دابة يدخل النار فلا تحرقه. انظر اللسان (سمندل ، ٣ / ٢١٠٥).
(٣) انظر : ديوان امرئ القيس (ص ٣٣). والكامل (٣ / ٩٦) ..
(٤) الآية ٢٧ من سورة المطففين.