من صلبه ألف نبىّ ، أولهم يعقوب ، وآخرهم عيسى عليهالسلام. (وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِما) أي : إبراهيم وإسحاق ، وليس لإسماعيل هنا ذكر ، استغناء بذكر ترجمته فى مريم (١) ، (مُحْسِنٌ) ؛ مؤمن (وَظالِمٌ لِنَفْسِهِ) بالكفر (مُبِينٌ) ظاهر كفره. أو : محسن إلى الناس ، وظالم لنفسه بتعديه عن حدود الشرع.
وفيه تنبيه على أن الخبيث والطيب لا يجرى أمرهما على العرق والعنصر ، فقد يلد البرّ الفاجر ، والفاجر البرّ. وهذا مما يهدم الطبائع والعناصر ، وتنبيه على أن الظلم فى أعقابهما لم يعد عليهما بعيب ، وأن المرء إنما يعاب بسوء فعله ، ويعاقب بما كسبت يداه ، لا على ما وجد من أصله وفرعه. قاله النسفي. قلت : قاعدة «العرق نزاع» أغلبية ، لا كلية. وقيل : هو حديث ، فيكون أغلبيا ، فالشجرة الطيبة لا تنبت فى الغالب إلا الطيب ، إلا لعارض ، والشجرة الخبيثة لا تجد فروعها إلا مثلها ، إلا لسبب. والله تعالى أعلم.
الإشارة : البشارة الكبيرة ، والبركة العظيمة ، إنما تقع فى الغالب بعد الامتحان الكبير ، فبقدر الامتحان يكون الامتكان ، ويقدر الجلال يعظم الجمال ، فإنّ مع العسر يسرا. فبقدر الفقر يعقب الغنى ، وبقدر الذل يعقب العز ، إن كان فى جانب الله. وقس على هذا .. ويسرى ذلك فى العقب ، كما هو مشاهد فى عقب الصالحين والعلماء والأولياء. وبالله التوفيق.
ثم ذكر موسى وهارون ، فقال :
(وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلى مُوسى وَهارُونَ (١١٤) وَنَجَّيْناهُما وَقَوْمَهُما مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (١١٥) وَنَصَرْناهُمْ فَكانُوا هُمُ الْغالِبِينَ (١١٦) وَآتَيْناهُمَا الْكِتابَ الْمُسْتَبِينَ (١١٧) وَهَدَيْناهُمَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (١١٨) وَتَرَكْنا عَلَيْهِما فِي الْآخِرِينَ (١١٩) سَلامٌ عَلى مُوسى وَهارُونَ (١٢٠) إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١٢١) إِنَّهُما مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (١٢٢))
يقول الحق جل جلاله : (وَلَقَدْ مَنَنَّا) ؛ أنعمنا (عَلى مُوسى وَهارُونَ) بالنبوة وغيرها من المنافع الدينية والدنيوية ، (وَنَجَّيْناهُما وَقَوْمَهُما) ؛ بنى إسرائيل ، (مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ) ؛ من الغرق والدهش الذي
__________________
(١) فى قوله تعالى : (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ وَكانَ رَسُولاً نَبِيًّا ، وَكانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ وَكانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا) الآيتان : ٥٤ ـ ٥٥.