بالقهرية ، وكذلك لما ألقى فى النار أخفى عنه المراد منه ، وهو السلامة منها ليحصل معنى الابتلاء. وهكذا يكون الحال فى حال البلاء ، [ينسد عيون التهدى إلى الحال] (١). وكذلك كان حال نبينا صلىاللهعليهوسلم فى الإفك ، وأيوب عليهالسلام ، وإنما تبين الأمر بعد ظهور أجر المحنة وزوالها ، وإلّا لم تكن حينئذ محنة ، ولكن مع استعجام الحال وانبهامه ؛ إذ لو كشف الأمر عن صاحبه لم يكن حينئذ بلاء. ه. ملخصا.
ثم قال تعالى :
(وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (١١٢) وَبارَكْنا عَلَيْهِ وَعَلى إِسْحاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِما مُحْسِنٌ وَظالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ (١١٣))
قلت : «نبيا» : حال مقدرة من «إسحاق» ، ولا بد من تقدير مضاف محذوف ، أي : وبشرناه بوجود إسحاق نبيّا ، أي : بأن يوجد مقدرا نبوته ، فالعامل فى الحال : الوجود ، لا فعل البشارة ، قاله الكواشي وغيره.
يقول الحق جل جلاله : (وَبَشَّرْناهُ) أي : إبراهيم (بِإِسْحاقَ) بعد امتحانه ، (نَبِيًّا) أي : يكون نبيا. قال قتادة : بشّره بنبوة إسحاق بعد ما امتحنه بذبحه. قالوا : ولا يجوز أن يبشّر بنبوته وذبحه معا ؛ لأن الامتحان لا يصح مع كونه عالما بأن سيكون نبيا. ه. قلت : لا يبعد أن يبشّر بهما معا قبل المحنة ؛ لأن العارف لا يقف مع وعد ولا وعيد ؛ لاتساع علمه ، فإن الوعد قد يكون متوقفا على شروط ، قد لا يلم العبد بها ، وراجع ما تقدم عند قوله : (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا) (٢) بالتخفيف ، وعند قوله : (وَزُلْزِلُوا زِلْزالاً شَدِيداً) (٣). ثم قال قتادة : وهذه حجة لمن يقول : إن الذبيح كان إسحاق. ومن قال : كان إسماعيل الذبيح ، قال : بشّر إبراهيم بولد يكون نبيا بعد القصة ؛ لطاعته. ه. وذكر ابن عطية عن مالك أنه نزع بهذه الآية لكون الذبيح إسماعيل ، انظر بقية كلامه. وتقدم الجواب عنه ، فإنّ الأولى بولادته ، وهذه بنبوته. انظر الحاشية.
وقوله : (مِنَ الصَّالِحِينَ) : حال ثانية ، وورودها على سبيل الثناء ؛ لأن كل نبىّ لا بد أن يكون من الصالحين. قال ابن عرفه : الصلاح مقول بالتشكيك ، فصلاح النبي أعظم من صلاح الولي. ه. (وَبارَكْنا عَلَيْهِ وَعَلى إِسْحاقَ) أي : أفضنا عليهم بركات الدين والدنيا. وقيل : باركنا على إبراهيم فى أولاده ، وعلى إسحاق بأن أخرجنا
__________________
(١) عبارة القشيري : (تنسد الوجوه فى الحال).
(٢) الآية ١١٠ من سورة يوسف.
(٣) الآية ١١ من سورة الأحزاب.