(أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ وَلَدَ اللهُ ، وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) فى قولهم. (أَصْطَفَى الْبَناتِ عَلَى الْبَنِينَ) ، الهمزة للاستفهام الإنكارى ، وحذفت همزة الوصل استغناء عنها بهمزة الاستفهام ، والاصطفاء : أخذ صفوة الشيء ، (ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) هذا الحكم الفاسد ، الذي لا يرتضيه عقل ولا نقل ، (أَفَلا تَذَكَّرُونَ) فتعرفوا أنه منزّه عن ذلك (أَمْ لَكُمْ سُلْطانٌ مُبِينٌ) ؛ حجة واضحة نزلت عليكم من السماء بأن الملائكة بنات الله؟ (فَأْتُوا بِكِتابِكُمْ) الذي أنزل عليكم ، (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) فى دعواكم.
(وَجَعَلُوا بَيْنَهُ) ؛ بين الله (وَبَيْنَ الْجِنَّةِ) ؛ الملائكة ـ لاستتارهم ، (نَسَباً) وهو زعمهم أنهم بنات الله. أو : قالوا : إن الله صاهر الجن ، تزوج سرواتهم فولدت له الملائكة (١) ، تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا. (وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ) أي : ولقد علمت الملائكة إن الذين قالوا هذا القول لمحضرون فى النار. أو : لقد علمت الملائكة إنهم سيحضرون للحساب من جملة العباد ، فكيف تكون بنات الله؟. (سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ) ، نزّه نفسه عما يصفه الكفرة من الولد والصاحبة ، (إِلَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ) ، استثناء منقطع من «المحضرين» ، أي : لكن المخلصون ناجون من النار. و «سبحان الله» : اعتراض بين الاستثناء وبين ما وقع منه ، ويجوز أن يقع الاستثناء من واو «يصفون» ، أي : عما يصفه هؤلاء الكفرة لكن المخلصون برءاء من أن يصفوه بذلك.
الإشارة : الحق تعالى فى عالم القدرة منزه عن الولد والصاحبة ، وتصور الاثنينية ، وإنما سر الازدواج والتولد خاص بعالم الحكمة فى حضرة الأشباح ، فليكن للعارف عينان عين تنظر لعالم القدرة فى حضرة أسرار الذات ، فتوحّد الله ، وتنزهه عن الاثنينية ، وعين تنظر لعالم الحكمة ، فتثبت سر الازدواج والتولد فى حضرة الأشباح ، والمظهر واحد ، ولا يفهم هذا إلا الأفراد من البحرية ، الذين خاضوا بحر أحدية الذات وتيار الصفات ، فحطّ رأسك لهم ، إن أردت أن تذوق هذه الأسرار. وإلا فسلم تسلم.
ثم بيّن أنّ الأمور كلها بيد الله ، هداية وإضلالا ، فقال :
(فَإِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ (١٦١) ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفاتِنِينَ (١٦٢) إِلاَّ مَنْ هُوَ صالِ الْجَحِيمِ (١٦٣))
__________________
(١) انظر تفسير الطبري (٢٣ / ١٠٨).