وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ (١٧٣) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (١٧٤) وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (١٧٥) أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ (١٧٦) فَإِذا نَزَلَ بِساحَتِهِمْ فَساءَ صَباحُ الْمُنْذَرِينَ (١٧٧) وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (١٧٨) وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (١٧٩) سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (١٨٠) وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (١٨١) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٨٢))
يقول الحق جل جلاله : (وَإِنْ كانُوا) أي : مشركو قريش (لَيَقُولُونَ) قبل مبعثه صلىاللهعليهوسلم : (لَوْ أَنَّ عِنْدَنا ذِكْراً مِنَ الْأَوَّلِينَ) أي : كتابا من كتب الأولين ، الذين نزل عليهم التوراة والإنجيل ، (لَكُنَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ) أي : لأخلصنا لله ، وما كذّبنا كما كذّبوا ، ولما خالفنا كما خالفوا ، فلما جاءهم الذكر الذي هو سيد الأذكار ، والكتاب الذي هو مهيمن على الكتب ، فكفروا به ، (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) عاقبة تكذيبهم ، وما يحلّ بهم من الانتقام. و «إن» مخففة ، واللام فارقة. وفى ذلك أنهم كانوا يقولون ، مؤكّدين للقول ، جادّين فيه ، ثم نقضوا بأشنع نقض ، فكم بين أول الأمر وآخره!
ثم بشّر رسوله بالنصر والعز ، فقال : (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ) أي : وعدناهم بالنصر والغلبة. والكلمة هى قوله : (إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ) دون غيرهم ، (وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ) ، وإنما سمّاها كلمة ، وهى كلمات ؛ لأنها لمّا انتظمت فى معنى واحد كانت فى حكم كلمة مفردة ، والمراد : الوعد بعلوّهم على عدوهم فى مقام الاحتجاج وملاحم القتال فى الدنيا ، وعلوهم عليهم فى الآخرة. وعن الحسن : ما غلب نبىّ فى حرب قط. وعن ابن عباس رضي الله عنه : إن لم ينتصروا فى الدنيا نصروا فى العقبى. والحاصل : أن قاعدة أمرهم ، وأساسه ، والغالب منه : الظفر والنصر ، وإن وقع فى تضاعيف ذلك شوب من الابتلاء والمحنة فنادر ، والعبرة بالغالب.
(فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ) ؛ إلى مدة يسيرة. وهى المدة التي أملهوا فيها ، أو : إلى بدر ، أو : إلى فتح مكة ، (وَأَبْصِرْهُمْ) أي : أبصر ما ينالهم ، والمراد بالأمر : الدلالة على أن ذلك كائن قريب ، (فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ) ما قضينا لك من النصر والتأييد ، والثواب الجزيل فى الآخرة. و «سوف» للوعيد ، لا للتبعيد.
ولمّا نزل : (فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ) قالوا : متى هو؟ فنزل : (أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ) قبل وقته؟ (فَإِذا نَزَلَ) العذاب (بِساحَتِهِمْ فَساءَ صَباحُ الْمُنْذَرِينَ) صباحهم. واللام للجنس ؛ لأن «ساء» و «ليس» يقتضيان ذلك. قيل : هو