نزول رسول الله صلىاللهعليهوسلم يوم الفتح بمكة. وقيل : نزول العذاب بهم يوم القيامة. شبهه بجيش هجم فأناخ بفنائهم بغتة. والصباح : مستعار من : صباح الجيش المبيت ، استعير لوقت نزول العذاب. ولمّا كثرت الغارة فى الصباح سموا الغارة صباحا ، وإن وقعت فى غيره.
(وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ ، وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ) ، كرر ليكون تسلية بعد تسلية ، وتأكيدا لوقوع الوعد إلى تأكيد ، وفيه فائدة ، وهو إطلاق الفعلين معا عن التقييد بالمفعول ، بعد التقييد له ، إيذان بأنه يبصر من صنوف المسرة ويبصرون من أنواع المساءة ما لا يفى به نطاق العبارة. وقيل : أريد بأحدهما : عذاب الدنيا ، وبالآخرة : عذاب الآخرة.
(سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ) ، أضيف الربّ إلى العزة لاختصاصه بها ، أو : يريد : أن ما من عزّة لأحد إلا وهو ربها ومالكها ، لقوله : (وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ) (١) أي : تنزيها له عما يصفون من الولد والصاحبة والشريك. (وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ) ، عمم الرسل بالسلام بعد ما خصص البعض فى السورة ؛ لأن فى تخصيص كلّ بالذكر تطويلا. (وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) على هلاك الأعداء ، ونصرة الأنبياء.
قيل : فى ختم السورة بالتسبيح بعد ما تضمنته السورة من تخليط المشركين وأكاذبيهم ، ونسبتهم إلى جلاله الأقدس ما لا يليق بجنابه الأرفع ، تعليم للمؤمنين ما يختمون به مجالسهم ؛ لأنهم لا يخلو إذا جلسوا مجلسا من فلتة أو هفوة ، وكلمات فيها رضى الله وسخطه ، فالواجب على المؤمن إذا قام من مجلسه أن يتلو هذه الآية ؛ لتكون مكفرة لتلك السقطات ، ويحمد لما وفق من الطيبات ، ومن ثمّ قال صلىاللهعليهوسلم : «كلمات لا يتكلم بهن أحد فى مجلسه عند قيامه ثلاث مرات ؛ إلا كفّر بهن عنه ، ولا يقولهن فى مجلس خير ، ومجلس ذكر ، إلا ختم الله بهن ، كما يختم بخاتم على الصحيفة ؛ سبحانك اللهم وبحمدك ، أشهد ألا إله إلا أنت ، استغفرك وأتوب إليك» (٢). والمراد هو ختم المجلس أو الكلام بالتنزيه. وعن علىّ ـ كرم الله وجهه : من أراد أن يكتال بالمكيال الأوفى من الأجر يوم القيامة ، فليكن آخر كلامه : (سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ) (٣) .. إلخ.
__________________
(١) من الآية ٢٦ من سورة آل عمران.
(٢) أخرجه ، بلفظه ، أبو داود فى (الأدب ، باب فى كفارة المجلس ٥ / ١٨١ ، ح ٤٨٥٧) وابن حبان فى صحيحه (٥٩٢) عن عبد الله ابن عمرو بن العاص ، موقوفا. وأخرجه أبو داود فى الموضع نفسه (ح ٤٨٥٨) عن أبى هريرة مرفوعا. ولم يذكر أبو داود نص الرواية ، بل قال ـ بعد ذكره لرواية عبد الله بن عمرو : (عن أبى هريرة ، عن النبي صلىاللهعليهوسلم مثله) ، وأخرجه بنحوه الترمذي فى (الدعوات باب : ما يقول إذا أقام من المجلس ٥ / ٤٦٠ ـ ٤٦١ ، ح ٣٤٣٣) من حديث أبى هريرة ، مرفوعا.
(٣) أخرجه البغوي فى تفسيره (٧ / ٦٦) وعبد الرزاق فى المصنف (٢ / ٢٣٧) ، عن سيدنا علىّ ، موقوفا ، وعزاه السيوطي فى الدر المنثور (٥ / ٥٥٤) لابن أبى حاتم ، من رواية الشعبي ، عن النبي صلىاللهعليهوسلم ، مرسلا.