الإشارة : من آداب الفقراء مع شيخهم ألا يتحركوا لأمر إلا بإذنه ، أما أهل البدايات فيستأذنون فى الجليل والحقير ، كقضية الفقير الذي وجد بعض الباقلاء ـ أي : الفول ـ فى الطريق ، فأتى بها إلى الشيخ ، فقال : يا سيدى ما نفعل به؟ فقال : اتركه ، حتى تفطر عليه ، فقال بعض الحاضرين : يستأذنك فى الباقلاء؟ فقال : لو خالفنى فى أمر ؛ لم يفلح أبدا. وأما أهل النهايات الذين عرفوا الطريق ، واستشرفوا على عين التحقيق ، وحصلوا على مقام الفهم عن الله ، فلا يستأذنون إلا فى الأمر المهم ؛ كالتزوج ، والحج ، ونحوهما. وصبره حتى يأمره الشيخ بذلك أولى ، فالمريد ، بقدر ما يترك تدبيره مع الشيخ ، ويتحقق بالتفويض معه قبل الوصول ، كذلك يتركه ويتحقق تفويضه مع الله بعد الوصول.
فالأدب مع الشيخ هو الأدب مع الله ، لكن لما كان من شأن العبد الجهل بالله وسوء الأدب معه أمره بالتحكيم لغيره من جنسه ، فإذا حكم جنسه على نفسه قبل المعرفة حكم الله على نفسه بعد المعرفة. والتحكيم فى غاية الصعوبة على النفس ، لا يرضاها إلا من سبقت له الهداية ، وجذبته جواذب العناية ، أعنى الدخول تحت الشيخ وتحكيمه على نفسه ، حتى لا يتحرك إلا بإذنه ، فهذا سبب الوصول إلى مقام الشهود والعيان ، فإذا فعل المريد شيئا من غير استئذان فليتب وليطلب من الشيخ الاستغفار له. وينبغى للشيخ أن يقبل العذر ويسامح ويستغفر له ، لقوله تعالى : (وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) ، فالخليفة لرسول الله قائم مقامه ، ونائب عنه فى رتبة التربية. والله تعالى أعلم.
ثم نهاهم عن التساهل فى ترك الاستئذان ، فقال :
(لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٦٣) أَلا إِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٦٤))
يقول الحق جل جلاله : (لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً) أي : إذا احتاج الرسول صلىاللهعليهوسلم إلى اجتماعكم لأمر جامع ، فدعاكم ، فلا تتفرقوا عنه إلا بإذنه ، ولا تقيسوا دعاءه إياكم على دعاء بعضكم