بعضا ، ورجوعكم عن المجمع بغير إذن الراعي ؛ لأن أمره ـ عليه الصلاة والسلام ـ وشأنه ليس كشأنكم. أو : لا تجعلوا دعاء الرسول على أحد ، كدعاء بعضكم بعضا ، فإنّ غضبه عليه ليس كغضبكم ؛ لأن غضبه غضب الله ، ودعاؤه مستجاب. وهذا يناسب ما قبله من جهه التحذير عن ترك الاستئذان ، فإنّ من رجع بغير استئذان معرض لغضبه ـ عليه الصلاة والسلام ـ ودعائه عليه. أو : لا تجعلوا نداءه صلىاللهعليهوسلم كنداء بعضكم بعضا ؛ كندائه باسمه ، ورفع الصوت عليه ، وندائه من وراء الحجرات ، ولكن بلقبه المعظم ؛ يا رسول الله ، يا نبى الله ، مع غاية التوقير والتفخيم والتواضع وخفض الصوت.
قال القشيري : أي : عظّموه فى الخطاب ، واحفظوا حرمته وخدمته بالأدب ، وعانقوا طاعته على مراعاة الهيبة والتوقير. ه. فالإضافة ، على الأولين : للفاعل ، وعلى الثالث ؛ للمفعول ، لكنه بعيد من المناسبة لما قبله ولما بعده فى قوله : (قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ) أي : يخرجون قليلا على خفية منكم ، (لِواذاً) أي : ملاوذين ، بأن يستتر بعضهم ببعض حتى يخرج ، أو يلوذ بمن يخرج بالإذن ؛ إراءة أنه من أتباعه. أو مصدر ، أي : يلوذون لواذا. واللواذ : الملاوذة ، وهى التعلق بالغير ، وهو أن يلوذ هذا بهذا فى أمر ، أي : يتسللون عن الجماعة ؛ خفية ، على سبيل الملاوذة واستتار بعضهم ببعض.
ثم هددهم على المخالفة بقوله : (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ) أي : الذين يصدون عن أمره ، يقال : خالفه إلى الأمر : إذا ذهب إليه دونه ، ومنه : (وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ) (١) ، وخالفه عن الأمر : إذا صد عنه. والضمير : إما لله سبحانه ، أو للرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ ، وهو أنسب ؛ لأنه المقصود بالذكر. والمعنى : فليحذر الذين يخالفون عن طاعته ودينه وسنّته ، (أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ) ؛ محنة فى الدنيا ؛ كقتل أو زلازل وأهوال ، أو تسليط سلطان جائر ، أو عدو ، أو قسوة قلب ، أو كثرة دنيا ؛ استدراجا وفتنة.
قال القشيري : سعادة الدارين فى متابعة السّنّة ، وشقاوتهما فى مخالفتها ، ومما يصيب من خالفها : سقوط حشمة الدين عن القلب. ه.
(أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) فى الآخرة. والآية تدل على أن الأمر للإيجاب ، وكلمة «أو» : لمنع الخلو ، دون منع الجمع. وإعادة الفعل صريحا ؛ للاعتناء بالتهديد والتحذير.
__________________
(١) من الآية ٨٨ من سورة هود.