وقال آخر :
اصحب خيار الناس حيث لقيتهم |
|
خير الصّحابة من يكون عفيفا |
والنّاس مثل دراهم ميّزتها |
|
فوجدت فيها فضّة وزيوفا |
وفى حديث أبى موسى رضي الله عنه صلىاللهعليهوسلم قال : «مثل الجليس الصّالح مثل العطّار ، إن لم يحذك من عطره يعلق بك من ريحه. ومثل الجليس السّوء مثل الكير ، إن لم يحرق ثيابك يعلق بك من ريحه» (١). وقال فى الحكم : «لا تصحب من لا ينهضك حاله ، ولا يدلّك على الله مقاله». فإنهاض الحال هو ذكر الله عند رؤيته ، والانحياش إليه بالقلب عند صحبته. ودلالة المقال على الله هو زجه فى الحضرة بلا تعب ، بأن يرفع بينه وبين ربه الحجب ، ويقول له : ها أنت وربك. وهذه حال الصوفية العارفين بالله ، وقد وصفهم بعض العلماء ، فقال : الصوفي من لا يعرف فى الدارين أحدا غير الله ، ولا يشهد مع الله سوى الله ، قد سخر له كل شىء ، ولم يسخر هو لشىء ، يسلط على كل شىء ، ولم يسلط عليه شىء ، يأخذ النصيب من كل شيىء ، ولم يأخذ النصيب منه شىء ، يصفو به كدر كلّ شىء ، ولا يكدر صفوه شىء ، قد أشغله واحد عن كل شىء ، وكفاه واحد من كل شىء. ه.
قال فى التنبيه : وبصحبة أمثال هؤلاء يحصل للمريد من المزيد ما لا يحصل له بغيرها ؛ من فنون المجاهدات ، وأنواع المكابدات ، حتى يبلغ بذلك إلى أمر لا يسعه عقل عاقل ، ولا يحيط به عالم ناقل. ه. وفى شأنهم أيضا قال صاحب العينية رضي الله عنه :
فشمّر ولذ بالأولياء ؛ فإنهم |
|
لهم من كتاب الحقّ تلك الوقائع |
هم الذّخر للملهوف ، والكنز للرّجا ، |
|
ومنهم ينال الصّبّ ما هو طامع |
بهم يهتدى للعين من ضلّ فى العمى |
|
بهم يجذب العشّاق ، والرّبع شاسع |
هم القصد ، والمطلوب ، والسؤل ، والمنى |
|
واسمهم للصّبّ ، فى الحبّ شافع |
هم النّاس ، فالزم إن عرفت جنابهم |
|
ففيهم لضرّ العالمين منافع |
وقال الجنيد رضي الله عنه : إذا أراد الله بالمريد خيرا ألقاه إلى الصوفية ، ومنعه صحبة القراء. وقال سهل رضي الله عنه : احذر صحبة ثلاثة من أصناف الناس : الجبابرة الغافلين ، والقراء المداهنين ، والمتصوفة الجاهلين. ه. وقال حمدون
__________________
(١) أخرجه الإمام أحمد فى المسند (٤ / ٤٠٤) ، وأخرجه ، بلفظ مقارب ، البخاري فى (الذبائح ، باب المسك ، ح ٥٥٣٤) ، ومسلم فى (البر والصلة ، باب استحباب مجالسة الصالحين ، ٤ / ٢٠٢٦ ، ح ٢٦٢٨).