وأفرد «امّ» على إرادة كلّ واحدة ، أو المجموع (وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ) : محتملات لا يعلم مرادها إلّا بالنّظر ؛ ليجتهد العلماء في تدبّرها وتحصيل ما يتوقف عليه فهم مرادها ، فينالوا بإتعابهم القرائح ـ في استخراج معانيها ، وردها الى المحكمات ـ رفيع الدرجات ، وقوله تعالى : (كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ) (١) أي : حفظت من فساد المعنى وركاكة اللفظ ، وقوله : (كِتاباً مُتَشابِهاً) (٢) أي : يشبه بعضه بعضا في صحة المعنى ، وجزالة اللفظ (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ) : ميل عن الحق إلى البدع (فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ) : يتعلقون به في باطلهم (ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ) : طلب أن يفتنوا الناس عن دينهم (وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ) : أن يؤوّلوه على مرادهم (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ) الحق (إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) : الثابتون فيه.
عن الصادق عليهالسلام : «نحن الراسخون في العلم ، ونحن نعلم تأويله ، (٣) ومن وقف على «[إلّا] (٤) الله»
فسّر المتشابه بما استأثر الله تعالى بعلمه ، كوقت قيام الساعة ونحوه ، والأصح الأول (يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ) حال من «الراسخين» ، أو : خبر له ـ إن جعل مبتدأ ـ (كُلٌ) أي : من المتشابه والمحكم (مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ) مدح للراسخين بإلقاء الذهن وإعمال الفكر في ردّ المتشابه الى المحكم.
[٨] ـ (رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا) من مقول الراسخين ، أي : لا تبلنا ببلاء تزيغ فيه قلوبنا (بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا) لدينك ، أو : لا تمنعنا ألطافك بعد إذ لطفت بنا (وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً) : نعمة ، أو : لطفا نثبت به على الإيمان (إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) للنّعم.
__________________
(١) سورة هود : ١١ / ١.
(٢) سورة الزمر : ٣٩ / ٢٣.
(٣) تفسير نور الثقلين ١ : ٣١٦ الحديث ٣٤.
(٤) كلمة : «الّا» زيادة اقتضاها السياق ، أخذناها من تفسير البيضاوي ٢ : ٤ ـ ٥.