بعضه مترقّب ، تغليب للموجود ، أو تنزيل للمترقّب منزلة الواقع. (وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ) الكتب السابقة ، ووصف الإعراض بالإنزال بتبعية المحلّ وهو الملك (وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) إيقانا زال معه ما كانوا عليه من أنّه لا يدخل الجنة ألا من كان هودا أو نصارى ، (١) ولن تمسهم النار إلا أياما معدودة (٢) واختلافهم في نعيم الجنة أهو من جنس نعيم الدنيا أم غيره ، دائم أم لا. وفي تقديم الظّرف. وبناء «يوقنون» على «هم» تعريض بغيرهم من أهل الكتاب ، وأنّ ما هم عليه من أمر الآخرة غير مطابق ولا عن إيقان ـ و «الإيقان» : إحكام العلم بنفي الشك عنه ـ.
و «الآخرة» تأنيث : آخر ، صفة الدار ، لقوله تعالى : (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ) (٣) فغلبت كالدّنيا و «نافع» يحذف الهمزة ويلقي حركتها على اللام للتخفيف. (٤)
[٥] ـ (أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ) الجملة محلّها : الرّفع ، خبر عن «الذين يؤمنون بالغيب» ـ ان جعل مبتدأ ـ فكأنّه لمّا قيل : «هدى للمتقين» قيل : لما (٥) خصّوا بذلك؟ فقيل : «الذين يؤمنون بالغيب» إلى آخره ، وإلّا فاستئناف لا محلّ لها ، كأنّه قيل : ما نتيجة الاتّصاف بتلك الأوصاف؟ فقيل : الثّبات على الهدى الكامل عاجلا ؛ والفوز بالفلاح آجلا.
ومعنى الاستعلاء في «على هدى» : تشبيه تمسّكهم بالهدى وثباتهم عليه باعتلاء الرّاكب مركبه. ونكّر «هدى» للتعظيم ، ووصف ب «من ربهم» تأكيدا بتعظيمه بأنّه
__________________
(١) كما ورد عن قولهم في سورة البقرة : ٢ / ١١١ وفيه «لن يدخل ...».
(٢) اقتباس من قوله تعالى : (وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً) البقرة : ٢ / ٨١.
(٣) سورة القصص : ٢٨ / ٨٣ وتمام الآية : (... نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ).
(٤) ذكر البيضاوي هذه القراءة في تفسيره ١ : ١٠٠. هكذا : وعن نافع : انّه حفّفها بحذف الهمزة وإلقاء حركتها علي اللام.
(٥) «ما» ـ هنا ـ استفهامية ، اي ما بالهم خصّوا بذلك؟