الاشتراء فيه إعطاء بدل وأخذ آخر ، أي : تركوا الهدى ـ الّذي جعل لهم بالفطرة الّتي فطر النّاس عليها ـ إلى الضّلالة. (فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ) ترشيح للمجاز (١) لمّا ذكر الاشتراء أتبعه ما يشاكله تصويرا لما فاتهم بصورة خسارة التجارة.
والتجارة : طلب الرّبح بالبيع والشراء ، والرّبح : الفضل على رأس المال. وأسند إلى التّجارة لتلبّسها بالفاعل. (وَما كانُوا مُهْتَدِينَ) لطرق التّجارة ، إذ المطلوب بها حفظ رأس المال والرّبح وقد أضاعوا رأس مالهم باستبدالهم به الضّلالة ، ولا ربح لمن ضيّع رأس المال.
[١٧] ـ (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً) بيّن تعالى صفتهم ، ثم زادها بيانا بضرب المثل فانّه أوقع في النفس لجعله المتخيّل كالمحقق.
والمثل ـ في الأصل ـ : النظير ، كالمثل والمثيل ، ثم قيل للقول السائر الممثّل به مضربه لمورده ، ولا يضرب إلّا ما فيه غرابة ، ثم استعير لكل قصّة أو صفة لها شأن نحو : (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ) ، (٢) (وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى) (٣) والمعنى : حالهم العجيبة كحال من استوقد نارا. و «الذي» بمعنى : الّذين ـ مخفّفها ـ (كَالَّذِي خاضُوا) (٤) ان عاد اليه ضمير «بنورهم».
وافراد ضميره في «استوقد» و «حوله» نظرا الى صورته او أريد به جنس المستوقدين او الجمع الذي استوقد ، او الواحد ، ولا محذور لأن التشبيه لقصتهم بقصته.
__________________
(١) ترشيح المجاز على انواع ، لغوي : وهو ذكر ما يلائم المعنى الحقيقي. عقلي : وهو ذكر ما يناسب ما استعمل له كقول أبي ذؤيب :
وإذ المنيّة انشبت أظفارها |
|
ألفيت كل تميمة لا تنفع |
(٢) سورة الرعد : ١٣ / ٣٥.
(٣) سورة النحل : ١٦ / ٦٠.
(٤) سورة التوبة : ٩ / ٦٩.