الّذي حفّكم بهذه الآيات الشّاهدة بوحدانيّته ، فلا تشركوا به.
والندّ : المثل المخالف. وسمّي ما يعبده المشركون : أندادا ، وما زعموا أنّها تخالفه. لأنّهم ـ بتركهم عبادته إلى عبادتها ، وتسميتهم لها آلة ـ ، شابهوا من يعتقد أنّها مثله ، قادرة على مخالفته. فتهكّم بهم وبكّتهم بجعلهم الأنداد لمن لا ندّ له (وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) حال عن فاعل «تجعلوا». ومفعول «تعلمون» متروك ، أي : وحالكم أنّكم من أهل العلم ، أو مقدّر ، وهو : أنّها لا تقدر على مثل أفعاله. وقد تضّمنت الآيتان الأمر بعبادته تعالى ، وانّ من موجباتها كونه ربّا خالقا لهم ولأصولهم ، وما يحتاجون إليه ـ من المقلّة والمظلّة والثّمار ـ مطاعما وملابسا ، وأنّ هذه أمور يعجز عنها غيره ، دالّة على توحيده ، فرتّب عليها النّهي عن الإشراك به.
[٢٣] ـ (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ) لمّا أثبت وحدانيّته ، وعلّم الطّريق إلى ذلك عقّبه بما هو الحجّة على نبوّة «محمّد» ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ وهو : القرآن ، علّم أنّ ما يعرف به إعجازه ، وأنه من عند الله ـ كما يدّعيه ـ.
وإنّما قال : «نزّلنا» ، لأنّ الكفرة رابهم نزوله منجّما بحسب الحوادث على سنن أهل الخطابة والشّعر ، فقالوا : (لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً). (١) فتحدّاهم به على الوجه الّذي رابهم ، تبكيتا لهم ، ودفعا للرّيب. وفي إضافة «عبد» اليه تعالى تعظيم للمضاف.
والسّورة : طائفة من القرآن مترجمة من : سور المدينة ، لإحاطتها بطائفة من القرآن محدّدة على حيالها ، أو لاحتوائها على فنون من العلم ، كاحتواء سور المدينة على ما فيها. وفائدة تفصيل القرآن سورا تنويع الجنس ، وتنشيط القارئ ، وتسهيل الحفظ ، والتّرغيب فيه ، وغير ذلك (مِنْ مِثْلِهِ) صفة «سورة» أي : بسورة كائنة من
__________________
(١) كما ورد في سورة الفرقان : ٢٥ / ٣٢.