[٢٦] ـ (إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما بَعُوضَةً) نزلت لمّا ضرب تعالى المثلين للمنافقين فقال الكفّار : الله أعلى وأجلّ من أن يضرب هذه الأمثال. أو : لمّا ذكر الذّباب والعنكبوت فطعنوا فيه ، فبيّن سبحانه أنّ ذلك ليس مما يستنكر ؛ لأنّ في التّمثيل كشف المعنى ، وإدناء المتوهّم من المشاهد ، ولذلك كثرت الأمثال في الكتب السّماوية وكلام البلغاء والحكماء ، فيمثّل لكلّ أمر بحسب حاله عظما وحقارة.
والحياء : الانقباض عن القبيح خوف الذمّ. ووصفه تعالى به ـ كما روى عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم :
«إنّ الله حييّ كريم ، يستحيي إذا رفع العبد يديه أن يراها صفرا (١) حتى يضع فيهما خيرا» (٢) مجاز عن التّرك اللّازم للانقباض ، مثل تركه تعالى تخييب العيد بترك من ترك ردّ المحتاج حياء منه.
فمعنى الآية : إنّ الله تعالى لا يترك ضرب المثل بالبعوضة ترك من يستحيي أن يمثّل بها لحقارتها. وضرب المثل صنعه. ومحلّ «أن يضرب» النصب ب «يستحيي» ، أو بنزع «من» وإفضاء الفعل اليه فإنه يتعدّى بنفسه وب «من». و «ما» إبهامية تزيد النكرة إبهاما نحو : «أعتق عبدا ما» ، أي : أيّ عبد كان. أو زائدة للتأكيد مثلها في «فبما رحمة». (٣) و «بعوضة» عطف بيان ل «مثلا» ، أو مفعول «يضرب» و «مثلا» حال عنه ، ومقدّمة لتنكيره ، أو هما مفعولاه لتضمّنه معنى الجعل.
والبعوضة : فعول (٤) من البعض ، وهو : القطع كالبضع
__________________
(١) الصفر : الخالي.
(٢) تفسير الكشّاف ١ / ٢٦٣.
(٣) سورة آل عمران : ٣ / ١٥٩.
(٤) في «ط» : فعولة.