منهم ـ فعلا ـ ومن الملائكة ـ نوعا ـ ، أو : أن جنسا من الملائكة سمّوا بالجنّ لاجتنانهم بشهادة : (وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً) (١) لقولهم : الملائكة بنات الله (أَبى وَاسْتَكْبَرَ) امتنع عمّا أمر به استكبارا عن تعظيمه ، والتخضّع له.
والإباء : امتناع باختيار ، والاستكبار : طلب التكبّر ، وهو أن يرى الشّخص نفسه أكبر من غيره. وهو متّصل بالاستثناء إن كان منقطعا ، أي : لكنّ إبليس أبى ، وإن كان متصلا فهو استئناف كأنّه قيل : ما باله لم يسجد؟ فأجيب به (وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ) أي صار منهم بتكبره على نبي الله ، واستحقاره إيّاه بقوله : (هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَ) (٢) واستقباحه أمر الله تعالى إيّاه بالسّجود له ، اعتقادا بأنه أفضل منه ، ويقبح أمر الأفضل بالتخضّع للمفضول ، كما قال : (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ). (٣)
[٣٥] ـ (وَقُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ) السكنى : من السّكون إذ هي لبث (أَنْتَ) تأكيد للمستكن ليعطف عليه (وَزَوْجُكَ) حوّاء ـ بالمدّ ـ ، ولم يخاطبهما أولا إشعارا بأنّه المقصود وهي تبع له (الْجَنَّةَ) قيل : دار الثواب ، (٤) إذ اللام للعهد ولا معهود غيرها. وقيل : غيرها من جنان السماء وقيل : من جنان الأرض. (٥) والهبوط منها : الانتقال ، ك «اهبطوا مصرا» (٦) (وَكُلا مِنْها رَغَداً) : واسعا بلا عناء ، صفة مصدر محذوف (حَيْثُ شِئْتُما) أيّ مكان منهما شئتما توسعة مزيحة للعذر في التناول من شجرة واحدة منهيّ عنها من بين أشجار لا تحصر (وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ) بالأكل منها ،
__________________
(١) سورة الصافات : ٣٧ / ١٥٨.
(٢) سورة الإسراء : ١٧ / ٦٢.
(٣) سورة ص : ٣٨ / ٧٦.
(٤) تفسير التبيان ١ : ١٥٥ وتفسير مجمع البيان ١ : ٨٥.
(٥) تفسير مجمع البيان ١ : ٨٥.
(٦) سورة البقرة : ٢ / ٦١.