/ منّتك نفسك ضلّة فأطعتها |
|
سبل الرّشاد وهنّ غير قواصد |
تضع الذّنوب على الذّنوب وترتجى |
|
درك الجنان بها وفوز العابد |
أنسيت أنّ الله أخرج آدما |
|
من جنّة المأوى بذنب واحد |
قال أبو إسحاق الزّجّاج : اختلفت الآيات فيما بدئ به خلق آدم ، ففى موضع : (خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ)(١) ، وفى موضع : (مِنْ طِينٍ لازِبٍ)(٢) ، وفى موضع : (مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ)(٣) ، وفى موضع : (مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ)(٤) قال : وهذه الألفاظ راجعة إلى أصل واحد ، وهو التّراب الذى هو أصل الطّين ، فأعلمنا الله عزوجل أنّه خلق من تراب جعل طينا ، ثمّ انتقل فصار كالحمإ المسنون ، ثمّ انتقل فصار صلصالا كالفخّار.
وقال الثعالبى فى قوله تعالى حكاية عن إبليس أنّه قال : (خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ)(٥). قال الحكماء أخطأ عدوّ الله فى تفضيله النّار على الطّين ، لأنّ الطّين أفضل من النّار لوجوه :
أحدها : أنّ من جوهر الطّين الرّزانة ، والسّكون ، والوقار ، والحلم ، والأناة ، والحياء ، والصّبر ، وذلك سبب توبة آدم وتواضعه وتضرّعه فأورثه المغفرة والاجتباء والهداية ، ومن جوهر النّار الخفّة والطّيش والحدّة والارتفاع والاضطراب ، وذلك سبب استكبار إبليس ، فأورثه اللّعنة والهلاك.
والثّانى : أنّ الجنّة موصوفة بأنّ ترابها المسك ، ولم ينقل أنّ فيها نارا.
الثالث : أنّها سبب العذاب بخلاف الطّين.
الرّابع : أنّ الطّين مستغن عن النار ، والنّار محتاجة إلى مكان وهو التّراب.
الخامس : أنّ الطّين سبب جمع الأشياء ، والنّار سبب تفريقها. وفى صحيح مسلم عن النبىّ صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «إنّ الله تعالى خلق آدم يوم الجمعة» (٦). وفى تاريخ دمشق
__________________
(١) الآية ٥٩ سورة آل عمران
(٢) الآية ١١ سورة الصافات
(٣) الآيات ٢٦ و ٢٨ و ٣٣ سورة الحجر
(٤) الآية ١٤ سورة الرحمن
(٥) الآيتان ١٢ سورة الأعراف ، و ٧٦ سورة ص
(٦) أخرجه مسلم وأحمد فى مسنده عن أبى هريرة (الفتح الكبير.