ثم يستنتج من ذلك أنّهم ـ في هذه الحالة أيضاً ـ كانوا سيعترضون الإعتراض نفسه ، وهو : لماذا أوكل الله مهمّة القيادة إلى بشر وأخفى عنّا وجه الحقيقة : «وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ». وفي الختام يهوّن الأمر على رسوله ويقول له : «وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ».
هذه الآية في الواقع تسلية لرسول الله صلىاللهعليهوآله يطلب الله فيها منه أن لا تزعزعه الزعازع ، ويهدد في الوقت نفسه المخالفين والمعاندين ويطلب منهم أن يتفكّروا في عاقبة أمرهم المؤلمة.
قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (١١) لكي يوقظ القرآن هؤلاء المعاندين المغرورين يسلك في هذه الآية سبيلاً آخر فيأمر رسوله أن يوصيهم بالسياحة في أرجاء الأرض ليروا بأعينهم مصائر اولئك الذين كذّبوا بالحقائق ، فلعلّ ذلك يوقظهم من غفلتهم «قُلْ سِيرُوا فِى الْأَرْضِ ثُمَّ انظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذّبِينَ».
لا شك أنّ لرؤية آثار السابقين والأقوام التي هلكت بسبب إنكارها الحقائق تأثيراً أعمق من مجرد قراءة كتب التأريخ ، لأنّ هذه الآثار تجسّد الحقيقة ناطقة ملموسة ، ولهذا استعمل جملة «انظروا» ولم يقل «تفكروا».
قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (١٢) وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١٣) يواصل القرآن مخاطبة المشركين ، ففي الآيات السابقة دار الكلام حول التوحيد وعبادة الله الأحد وهنا يدور الحديث عن المعاد ، وبالإشارة إلى مبدأ التوحيد يواصل القول عن المعاد بطريقة رائعة. يتكوّن الاستدلال هنا على المعاد من مقدمتين :
أوّلاً : يقول : (قُلْ لِّمَن مَّا فِى السَّموَاتِ وَالْأَرْضِ). ثم يقول مباشرة : أجب أنت بلسان فطرتهم وروحهم : (قُلْ لِّلَّهِ). فبموجب هذه المقدمة يكون كل عالم الوجود ملكاً لله وبيده وتدبيره.