كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللهِ).
إنّ المقصود بلقاء الله هو ـ كما قلنا من قبل ـ اللقاء المعنوي والإيمان الشهودي (الشهود الباطني) ، أو هو لقاء مشاهد يوم القيامة والحساب والجزاء.
ثم تبين الآية أنّ هذا الإنكار لن يدوم ، بل سيستمر حتى قيام يوم القيامة ، حين يرون أنفسهم فجأة أمام مشاهده الرهيبة ، ويشهدون بأعينهم نتائج أعمالهم ، عندئذ ترتفع أصواتهم بالندم على ما قصّروا في حق هذا اليوم : (حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا). «الساعة» : هي يوم القيامة ؛ و «بغتة» : تعني فجأة وعلى حين غرّه ، إذ تقوم القيامة دون أن يعلم بموعدها أحد سوى الله تعالى.
ثم يقول القرآن الكريم : (وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ).
«الأوزار» : جمع «وزر» وهو الحمل الثقيل ، وتعني الأوزار هنا الذنوب ، ويمكن أن تتخذ هذه الآية دليلاً على تجسّد الأعمال ، لأنّها تقول إنّهم يحملون ذنوبهم على ظهورهم.
وفي آخر الآية يقول الله تعالى : (أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ).
ثم لبيان نسبة الحياة الدنيا إلى الحياة الآخرة ، يقول الله تعالى : (وَمَا الْحَيَوةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ). فهؤلاء الذين اكتفوا بهذه الحياة ، ولا يطلبون غيرها ، هم أشبه بالأطفال الذين يودون أن لو يقضوا العمر كله في اللعب واللهو غافلين عن كل شيء.
إنّ تشبيه الحياة الدنيا باللهو واللعب يستند إلى كون اللهو واللعب من الممارسات الفارغة السطحية التي لا ترتبط بأصل الحياة الحقيقية ، سواء فاز اللاعب أم خسر ، إذ كل شيء يعود إلى حالته الطبيعية بعد اللعب.
ثم تقارن الآية حياة العالم الآخر بهذه الدنيا ، فتقول : (وَلَلدَّارُ الْأَخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ). فتلك حياة خالدة لا تفنى في عالم أوسع وعلى مستوىً أرفع ، عالم يتعامل مع الحقيقة لا المجاز ومع الواقع لا الخيال.
(قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللهِ يَجْحَدُونَ (٣٣) وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ) (٣٤)
المصلحون يواجهون الصعاب دائماً : لا شك أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله في نقاشاته المنطقية ومحاوراته الفكرية مع المشركين المعاندين المتصلّبين ، كان يواجه منهم المعاندة واللجاجة