والتصلّب والتعنّت ، بل كانوا يرشقونه بتهمهم ، ولذلك كله كان النبي صلىاللهعليهوآله يشعر بالغم والحزن ، والله تعالى في مواضع كثيرة من القرآن يواسي النبي صلىاللهعليهوآله ويصبّره على ذلك ، لكي يواصل مسيرته بقلب أقوى وجأش أربط ، كما جاء في هذه الآية : (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِى يَقُولُونَ). فاعلم أنّهم لا ينكرونك أنت ، بل هم ينكرون آيات الله ، ولا يكذّبونك بل يكذّبون الله : (فَإِنَّهُمْ لَايُكَذّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بَايَاتِ اللهِ يَجْحَدُونَ).
ومثل هذا القول شائع بيننا ، فقد يرى «رئيس» أنّ «مبعوثه» إلى بعض الناس عاد غاضباً ، فيقول له : «هوّن عليك ، فإنّ ما قالوه لك إنّما كان موجّهاً إليّ ، وإذا حصلت مشكلة فأنا المقصود بها ، لا أنت» وبهذا يسعى إلى مواساة صاحبه والتهوين عليه.
الآية الثانية تستأنف مواساة الرسول صلىاللهعليهوآله وتبيّن له حال من سبقه من الأنبياء ، وتؤكد له أنّ هذا ليس مقتصراً عليه وحده ، فالأنبياء قبله نالهم من قومهم مثل ذلك أيضاً : (وَلَقَدْ كُذّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ).
ولكنهم صبروا وتحمّلوا حتى انتصروا بعون الله : (فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتهُمْ نَصْرُنَا) وهذه سنة إلهية لا قدرة لأحد على تغييرها : (وَلَا مُبَدّلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ).
وعليه ، فلا تجزع ولا تبتئس إذا ما كذّبك قومك وآذوك ، بل اصبر على معاندة الأعداء وتحمّل أذاهم ، واعلم أنّ الإمدادات والألطاف الإلهية ستنزل بساحتك بموجب هذه السنّة ، فتنتصر في النهاية عليهم جميعاً ، وإنّ ما وصلك من أخبار الأنبياء السابقين عن مواجهتهم الشدائد والمصاعب وعن ثباتهم وصبرهم وإنتصارهم في النهاية ، لهو شهادة بيّنة لك : (وَلَقَدْ جَاءَكَ مِن نَّبَإِى الْمُرْسَلِينَ).
تشير هذه الآية إلى مبدأ عام هو أنّ قادة المجتمع الصالحين الذين يسعون لهداية الشعوب عن طريق الدعوة إلى مبادىء وتعاليم بنّاءة ، وبمحاربة الأفكار المنحطّة والخرافات السائدة والقوانين المغلوطة في المجتمع ، يواجهون معارضة شديدة من جانب فريق الإنتهازيين الذين يرون في انتشار تلك التعاليم والمبادىء البنّاءة خطراً يهدد مصالحهم ، فلا يتركون وسيلة إلّا استخدموها لترويج أهدافهم المشؤومة ، وبكل ما يخطر لهم من سلاح لمحاربة اولئك المصلحين.
إلّا أنّ الحقيقة ، بما فيها من قوة الجاذبية والعمق ، وبموجب السنّة الإلهية ، تعمل عملها إلّا أنّ شرط هذا الإنتصار هو الصبر والمقاومة والثبات.