(وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ (٣٥) إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ) (٣٦)
الأموات المتحركون : هاتان الآيتان استمرار لمواساة النبي صلىاللهعليهوآله التي بدأت في الآيات السابقة لقد كان رسول الله صلىاللهعليهوآله يشعر بالحزن العميق لضلال المشركين وعنادهم ، وكان يود لو أنّه استطاع أن يهديهم جميعاً إلى طريق الإيمان بأيّة وسيلة كانت. فيقول الله تعالى : (وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِىَ نَفَقًا فِى الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِى السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُم بَايَةٍ). أي إذا كان إعراض هؤلاء المشركين يصعب ويثقل عليك ، فشق أعماق الأرض أو ضع سلّماً يوصلك إلى السماء للبحث عن آية ـ إن استطعت ـ ولكن اعلم أنّهم مع ذلك لن يؤمنوا بك.
في هذه الآية يخبر الله نبيّه بأن ليس في تعليماتك ودعوتك وسعيك أي نقص ، بل النقص فيهم لأنّهم هم الذين رفضوا قبول الحق ، لذلك فإنّ أيّ مسعى من جانبك لن يكون له أثر فلا تقلق.
ولكن لكيلا يظن أحد أنّ الله غير قادر على حملهم على التسليم يقول : (وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى). أي لو أراد حملهم على الإستسلام والرضوخ لدعوتك والإيمان بالله لكان على ذلك قديراً.
غير أنّ الإيمان الإجباري لا طائل تحته ، إنّ خلق البشر للتكامل مبني على أساس حرية الاختيار والإرادة ، ففي حالة حرية الاختيار وحدها يمكن تمييز «المؤمن» من «الكافر» و «الصالح» من «غير الصالح» و «الصادق» من «الكاذب».
ثم يقول سبحانه لنبيّه : (فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ). أي لقد قلت هذا لئلا تكون من الجاهلين ، أي لا تفقد صبرك ولا تجزع ، ولا يأخذك القلق بسبب كفرهم وشركهم.
وما من شك أنّ النبي صلىاللهعليهوآله كان يعلم هذه الحقائق ولكن الله ذكرها له من باب التطمين وتهدئة الروع.
في الآية التي تليها استكمال لما سبق ومزيد من المواساة للرسول الكريم صلىاللهعليهوآله فتقول الآية : (إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ).