أمّا الذين هم في الواقع أشبه بالأموات فإنّهم لا يؤمنون حتى يبعثهم الله يوم القيامة : (وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ).
يومئذٍ ، وبعد أن يروا مشاهد يوم القيامة يؤمنون ، إلّاأنّ إيمانهم ذاك لا ينفعهم شيئاً.
(وَقَالُوا لَوْ لَا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) (٣٧)
تشير هذه الآية إلى واحد من الأعذار التي يتذرّع بها المشركون ، فقد جاء في بعض الروايات أنّه عندما عجز بعض رؤساء قريش عن معارضة القرآن ومقابلته ، قالوا لرسول الله صلىاللهعليهوآله : كل هذا الذي تقوله لا فائدة فيه ، إذا كنت صادقاً فيما تقول ، فأتنا بمعجزات كعصا موسى وناقة صالح ، يقول القرآن بهذا الشأن : (وَقَالُوا لَوْلَا نُزّلَ عَلَيْهِءَايَةٌ مِّن رَّبّهِ).
من الواضح أنّ اولئك لم يكونوا جادّين في بحثهم عن الحقيقة ، لأنّ الرّسول صلىاللهعليهوآله كان قد جاء لهم من المعاجز بما يكفي ، لذلك يأمر الله رسوله أن : (قُلْ إِنَّ اللهَ قَادِرٌ عَلَى أَن يُنَزّلَءَايَةً). إلّاأنّ في ذلك أمراً أنتم عنه غافلون ، وهو أنّه إذا حقق الله مطاليبكم التي يدفعكم إليها عنادكم ، ثم بقيتم على عنادكم ولم تؤمنوا بعد مشاهدتكم للمعاجز ، فسوف يقع عقاب الله عليكم جميعاً ، وتفنون عن آخركم ، لأنّ ذلك سيكون منتهى الإستهتار بمقام الالوهيّة المقدس وبمبعوثه وآياته ومعجزاته ، ولهذا تنتهي الآية بالقول : (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَايَعْلَمُونَ).
(وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ) (٣٨)
هذه الآية تستأنف ما جاء في الآيات السابقة من الكلام مع المشركين وتحذيرهم من مصيرهم يوم القيامة ، فتتحدّث عن «الحشر» وبعث عام يشمل جميع الكائنات الحيّة والحيوانات ، فتقول أوّلاً : (وَمَا مِن دَابَّةٍ فِى الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُم).
يتّضح من هذا أنّ فصائل الحيوان والطيور امم مثل البشر.
أي إنّ للحيوان والطير ـ أيضاً ـ إدراكه ومشاعره في عالمه الخاص ، ويعرف الله ويسبّح له ويقدّسه بحسب طاقته ، وإن تكن قوّة إدراكه أدنى ممّا في الإنسان.