وفي الآية التالية إشارة إلى حال أهل الجنة وبيان لصفاتهم ، فتبدأ الآية بدعوة الناس إلى التدبر والتوجه إلى أسماء الله الحسنى كمقدمة للخروج من صف أهل النار ، فتقول : (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا). والمراد من «أسماء الله الحسنى» هي صفات الله المختلفة التي هي حُسنى جميعاً فالمراد من دعاء الله بأسمائه الحسنى ، ليس هو ذكر هذه الألفاظ وجريانها على اللسان فحسب ، كأن نقول مثلاً : يا عالم يا قادر يا أرحم الراحمين ، بل ينبغي أن نتمثّلَ هذه الصفات في وجودنا ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً.
وبتعبير أخرى : ينبغي أن نتّصف بصفاته ونتخلّق بأخلاقه.
من ذلك الرواية الواردة في الكافي عن الإمام الصادق عليهالسلام في قول الله عزوجل (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا) قال : «نحن والله الأسماء الحسنى». فهي إشارة إلى أنّ إشعاعاً من صفاته قد انعكس فينا ، فمن عرفنا فقد عرف ذاته المقدسة ....
ثم تحذر الآية من هذا الأمر ، وهو أن تُحرّف أسماؤه فتقول : (وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِى أَسْمِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ). والمقصود من الإلحاد في أسماء الله هو أن نحرِف ألفاظها أو مفاهيمها ، بحيث نصفه بصفات لا تليق بساحته المقدسة ، كما يصفه المسيحيون بالتثليث «الأب والابن وروح القدس».
وفي آخر آية من الآيات محل البحث إشارة إلى صفتين من أبرز صفات أهل الجنة ، إذ تقول الآية : (وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ).
إنّ لهؤلاء منهجين ممتازين فأفكارهم وأهدافهم ودعواتهم وثقافاتهم حقّة وهي في اتجاه الحق أيضاً كما أنّ أعمالهم وخططهم وحكوماتهم قائمة على أساس الحق والحقيقة.
(وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (١٨٢) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) (١٨٣)
الإستدراج : تعقيباً على البحث السابق الذي عالجته الآيات المتقدمة ـ والذي يبين حال أهل النار ـ تبين هاتان الآيتان واحدةً من سنن الله في شأن كثير من عباده المجرمين المعاندين ، وهي ما عبّر عنها القرآن «بعذاب الإستدراج».
والإستدراج جاء في موطنين من القرآن : أحدهما في الآيتين محل البحث ، والآخر في الآية (٤٤) من سورة القلم ، وكلا الموطنين يتعلقان بمكذّبي آيات الله ومنكريها.