كما قرأنا في شأن النّزول آنفاً ، أنّ مشاجرة وقعت بين بعض الأنصار في شأن غنائم الحرب ، وقطعاً لهذه المشاجرة فقد نفت الآية أن تكون الغنائم لغير الله والرسول ثم أمرت المسلمين بإصلاح ذات البين.
وأساساً فإنّ إصلاح ذات البين وإيجاد التفاهم وقلع عناصر الكدر والبغضاء من صدور المسلمين ، وتبديل كل ذلك بالمحبة ، يعدّ من أهم الأغراض الإسلامية.
وقد أولت التعاليم الإسلامية عناية فائقة لهذا الموضوع حتى عدّته من أفضل العبادات.
في نهج البلاغة : يقول علي عليهالسلام في آخر وصاياه ـ لما ضربه ابن ملجم بالسيف ـ لولديه : «إنّي سمعت جدّكما صلىاللهعليهوآله يقول : صلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصيام».
(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٢) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (٣) أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) (٤)
خمس صفات خاصه بالمؤمنين : كان الكلام في الآية السابقة عن تقوى الله وطاعته وطاعة رسوله بعد المشاجرة اللفظية بين بعض المسلمين في شأن الغنائم. وإكمالاً لهذا الموضوع يشير في هذه الآيات إلى خمس صفات بارزة في المؤمنين : ثلاث منها ذات جانب معنوي وروحاني وباطني ، واثنتين منها لها جانب عملي وخارجي ....
فالثلاث الاولى عبارة عن «الإحساس بالمسؤولية» و «الإيمان» و «التوكل» ، والإثنتان الاخريان هما الإرتباط بالله ، والإرتباط بخلق الله سبحانه.
فتقول الآيات أوّلاً : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ).
«الوجل» : حالة الخوف التي تنتاب الإنسان ، وهو ناشيءٌ عن أحد أمرين : فقد ينشأ عند إدراك المسؤولية.
وقد ينشأ عند إدراك عظمة مقام الله ، والتوجه إلى وجوده المطلق الذي لا نهاية له.
ثم تبين الآية الصفة الثانية للمؤمنين فتقول : (وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْءَايَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا).
والمؤمنون ليسوا كالموتى من الجمود وعدم التحرك ، ففي كل يوم جديد يكون لهم فكر جديد وتكون صفاتهم مشرقة جديدة.