والصفة الثالثة لهؤلاء المؤمنين هي أنّهم يتّكلون على الله فقط (وَعَلَى رَبّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ). فهم يعيشون سعة الافق وسلامة التفكير بحيث يرون ضعف جميع المخلوقات مهما كانت في الظاهر قوية ومقتدرة ولذلك يرفضون الخضوع والاعتماد على أيّ موجود غير الله تعالى ، فمنه يقتبسون قوتهم ومنه يطلبون حاجاتهم.
ولا ينبغي الوقوع في المفهوم الخاطي للتوكل حيث تصور البعض أنّ التوكل يعني عدم الأخذ بقانون العلية والابتعاد معن السعي والعمل ، والصحيح أنّ مفهومه الحقيقي هو عدم التعلقق والاعتماد بالقوى الظاهرية والّا فان الاستفادة من عالم الاسباب المسببات في الطبيعة هو عين التوكل لأنّ كل تثير لهذه الاسباب في الواقع الخارجي إنّما يحصل باذن الله ومشيئته.
وبعد أن ذكرت الآيات الصفات الروحانية للمؤمنين الحقيقين تقول : (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَوةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ).
التعبير ب (يُقِيمُونَ الصَّلَوةَ) ليس إشارة الى ممارستهم الدائمة للصلاة فحسب ، بل إنّهم يتحركون في هذا الاتجاه اتقوية دعائهم الصلاة في المجتمع وفي كل مكان.
وعبارة (وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ) تتضمن معنى واسعاً يستوعب المواهب المادية والمعنوية كافة ، فهم ينفقون من جميع مارزقهم الله تعالى من المال والعلم والجاه والمكانة الاجتماعية وأمثال ذلك.
وتتحرك آخر آية من الآيات مورد البحث لبيان مقام هؤلاء ومكانتهم عند الله تعالى وما ينتظرهم من الثواب العظيم ، فتقول في البداية : (أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا).
ثم تذكر الآية ثلاثة أنواع من الثواب لهؤلاء : (لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبّهِمْ).
وللمؤمنين إضافة لدرجاتهم رحمة من الله (وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ).
(كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ (٥) يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ) (٦)
قرأنا في الآية الاولى من هذه السورة أنّ بعض المسلمين من جديدي العهد بالإسلام ، كانوا غير راضين عن كيفية تقسيم غنائم معركة بدر (إلى حدّ ما). ففي الآيتين محل البحث يقول الله سبحانه لُاولئك : هذه ليست أوّل مرّة تكرهون شيئاً مع أنّه فيه صلاحكم كما كان