الأمر في أساس غزوة بدر وكانوا غير راضين باديء الأمر ، إلّاأنّهم رأوا كيف تمت هذه المعركة لصالح الإسلام والمسلمين. تقول الآية الاولى من الآيتين محل البحث : إنّ عدم رضا بعض المسلمين في شأن تقسيم الغنائم يشبه عملية إخراجك من مكة وعدم رضى بعض المؤمنين بذلك : (كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ).
والتعبير «بالحق» إشارة إلى أنّ أمر الخروج كان طبقاً لوحي إلهي ودستور سماوي ، وكانت نتيجته الوصول إلى الحق واستقرار المجتمع الإسلامي ، إلّاأنّ هؤلاء الأفراد لا يرون إلّا ظواهر الامور ، ولهذا : (يُجَادِلُونَكَ فِى الْحَقّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ).
إلّا أنّ الحوادث التالية كشفت لهم عن خطئهم في حساباتهم ، وأنّ خوفهم وقلقهم دونما أساس ، وأنّ هذه المعركة (معركة بدر) حققت للمسلمين انتصارات مشرقة ، فمع رؤية مثل هذه النتائج علام يجادلون في الحق وتمتد ألسنتهم بالإعتراض؟
(وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ (٧) لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ) (٨)
أوّل مواجهة مسلحة بين الإسلام والكفر ـ لمّا كانت الآيات السابقة قد أشارت إلى معركة بدر ، فإنّ الآيتين أعلاه وما بعدهما من الآيات قد أماطت اللثام عن جوانب مهمة وحساسة في تلك المعركة ، ولإيضاح الآيتين محل البحث والآيات التالية ، من المناسب أن نلقي الضوء على ما جرى في هذه المعركة الحاسمة ، لتتجلى لنا دقائق الامور ولطائف ما أشارت إليه الآيات الكريمة في شأن معركة بدر الكبرى.
بدأت معركة بدر ـ طبقاً لما يقوله المؤرخون والمحدثون والمفسرون ـ حين كان أبو سفيان ـ كبير مكة ـ عائداً بقافلة تجارية مهمة مؤلفة من أربعون راكباً من قريش ، وتحوي على ثروة تجاربة تقدّر بخمسين ألف دينار من الشام نحو المدينة.
فأمر النبي صلىاللهعليهوآله أصحابه أن يتعبأوا ويتهيأوا لمواجهة هذه القافلة الكبيرة التي تحمل جلّ رأس مال العدو معها ، وبمصادرة أموال القافلة يتمّ توجيه ضربة اقتصادية نحو العدو وتعقبها ضربة عسكرية قاصمة.