إنّ أبا سفيان عرف عن طريق أتباعه وأصدقائه تصميم النبي على مواجهة قافلته ، هذا من جهة ، كما أنّ القافلة حينما كانت متجهة نحو الشام للإتيان بمال التجارة تعرضت لتحركات من هذا القبيل. لهذا فإنّ أبا سفيان أرسل من يمضي إلى مكة بسرعة ليخبر أهلها بما سيؤول إليه أمر القافلة.
فمضى رسول أبي سفيان بحالة مثيرة كما أوصاه أبو سفيان ، إذ خرم أنف بعيره وبتر أذنيه والدماء تسيل على وجه البعير لهيجانه ، وقد شقّ ثوبه ـ أو طمريه ـ وركب بعيره على خلاف ما يركب الناس «إذ ظهره كان إلى رقبة البعير ووجهه إلى عجزه» ليلفت الناس إليه من كل مكان. فلما دخل مكة أخذ يصرخ قائلاً : أيّها الناس الأعزة ، أدركوا قافلتكم ، أدركوا قافلتكم وأسرعوا وتعجلوا إليها.
ولما كان أكثر أهل مكة شركاء في هذه القافلة فقد تعبئوا بسرعة وتحركوا نحو القافلة بحوالي ٩٥٠ مقاتلاً و ٧٠٠ بعير ومئة فرس ، وكان أبو جهل يقود هذا الجيش.
وكان النبي صلىاللهعليهوآله قد قارب بدراً في نحوٍ من ثلائمائة وثلاث عشر رجلاً كانوا يمثلون رجال الإسلام آنئذ «وبدر منطقة ما بين مكة والمدينة» وقد بلغه خبر تهيؤ أبي جهل ومن معه لمواجهته.
فتشاور النبي صلىاللهعليهوآله مع أصحابه : هل يلحقون القافلة ويصادرون أموالها ، أو أنّ عليهم أن يتهيأوا لمواجهة جيش العدو؟ فقالت طائفة من أصحابه : نقاتل عدوّنا ، وكرهت طائفة اخرى ذلك ، إلّاأنّ النبي بالرغم من كل ذلك قبل بالقول الأوّل «أي قتال العدو».
ومن جهة اخرى فإنّ طائفة من المسلمين كانت في قلق وإضطراب وكانت تصرّ على عدم مواجهة هذا الجيش اللجب ، إذ لا موازنة بين أصحاب النبي وأصحاب أبي جهل! لكن النبي صلىاللهعليهوآله طمأنهم بوعد الله وقال : «إنّ الله عزوجل وعدني إحدى الطائفتين ولن يخلف الله وعده ، والله لكأنّي أنظر مصرع أبي جهل بن هشام ، وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وفلان وفلان». وأمر رسول الله بالرحيل ، وخرج إلى بدر وهو بئر.
وفي هذه الأثناء استطاع أبو سفيان أن يفرّ بقافلته من الخطر المحدق به ، واتّجه نحو مكة عن طريق ساحل البحر الأحمر غير المطروق ، وأرسل رسولاً إلى قريش : إنّ الله نجّى قافلتكم ، ولا أظن أنّ مواجهة محمّد في هذا الظرف مناسبة ، لأنّ له أعداء يكفونكم أمره ، إلّا أنّ أبا جهل لم يرض باقتراح أبي سفيان وأقسم باللات والعزى أنّه سيواجه محمّداً ، بل سيدخل المدينة لتعقيب أصحابه.