وأقبلت قريش ، وبعثوا عبيدها ليستقوا من الماء ، فأخذهم أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآله وقالوا لهم : من أنتم؟ قالوا : نحن عبيد قريش. قالوا : فأين العير؟ قالوا : لا علم لنا بالعير. فأقبلوا يضربونهم وكان رسول الله صلىاللهعليهوآله يصلّي فانفتل من صلاته وقال : «إن صدّقوكم ضربتموهم وإن كذّبوكم تركتموهم!» فأتوه بهم ، فقال لهم : «من أنتم؟» قالوا : يا محمّد نحن عبيد قريش. قال : «كم القوم؟!» قالوا : لا علم لنا بعددهم. قال : «كم ينحرون في كل يوم من جزور؟» قالوا : تسعة إلى عشرة. فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : «القوم تسعمائة إلى ألف رجل». وأمر صلىاللهعليهوآله بهم فحبسوا.
كان الجوّ مكفهراً بالرعب والوحشة ، إذ كان جيش قريش معبّأ مدججاً بالسلاح ، ولديه المؤونة والعُدّد ، حتى النساء اللائي ينشدن الأشعار والمغنيات اللائي يثرن الحماسة ، وكان جيش أبي جهل يرى نفسه أمام طائفة صغيرة أو قليلة من الناس ، ولا يصدّق أنّهم سينزلون الميدان.
المشكلة الاخرى التي كان أصحاب النبي يواجهونها ، هي أنّ أرض بدر كانت غير صالحة للنزال لما فيها من الرمال ، فنزل المطر تلك الليلة ، فأفاد منه أصحاب النبي فاغتسلوا منه وتوضأوا وأصبحت الأرض صُلبة صالحة للنزال ، العجيب في ذلك أنّ المطر كان في جهة العدو شديداً بحيث أربكهم وأزعجهم.
والخبر الجديد الذي حصل عليه أصحاب النبي من جواسيسهم الذين تحسسوا ليلاً حالة العدو أنّ جيش قريش مع كل تلك الإمكانات العسكرية في حالة من الرعب بمكانة لا توصف ، فكأنّ الله أنزل عليها جيشاً من الرعب والوحشة.
وعند الصباح اصطفّ جيش المسلمين الصغير بمعنويات عالية ليواجهوا عدوهم ، ولكن النبي صلىاللهعليهوآله ـ إتماماً للحجة ولئلا يبقى مجال للتذرع بالذرائع الواهية ـ أرسل إلى قريش ممثلاً عنه ليقول لهم : إنّ النبي لا يرغب في قتالكم ولا يحبّ أن تكونوا أوّل جماعة تحاربه ، فوافق بعض قادة قريش على هذا الإقتراح ورغبوا في الصلح ، إلّاأنّ أبا جهل امتنع وأبى بشدّة.
وأخيراً اشتعلت نار الحرب ، فالتقى أبطال الإسلام بجيش الشرك والكفر ، ووقف حمزة عمّ النبي وعلي ابن عمّ النبي الذي كان أصغر المقاتلين سنّاً وجها لوجه مع صناديد قريش وقتلوا من بارزهم فإنهار ما تبقى من معنويات العدو ، فأصدر أبو جهل أمراً عاماً بالحملة ، وكان قد أمر بقتل أصحاب النبي من أهل المدينة «الأنصار» وأن يؤسر المهاجرون من أهل