استعداد لتقبل الحق : (وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيرًا لَّأَسْمَعَهُمْ).
وفي تفسير مجمع البيان قيل معناه : لأسمعهم قول قصي بن كلاب فإنّهم قالوا : أحي لنا قصي ، إنّ كلاب ليشهد بنبوتك.
ويقول تعالى : (وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوا وَّهُم مُّعْرِضُونَ).
فالذين سمعوا دعوة الحق كثيراً ، وبلغت آذانهم آيات القرآن ، وفهموا مضامينها العالية ، لكنهم أنكروها بسبب عتوهم وعصبيّتهم.
كما أنّ هذه الآية تعد جواباً قاطعاً للقائلين بمدرسة الجبر ، لأنّها تقرر بأنّ الخير يكمن في الإنسان نفسه.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٢٤) وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (٢٥) وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (٢٦)
دعوة للحياة : تتابع هذه الآيات دعوة المسلمين المتقدمة للعلم والعمل والطاعة والتسليم لكنها تتابع الهدف ذاته عن طريق آخر ، فتقول ابتداءاً : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ).
فهذه الآية تقول بصراحة : إنّ دعوة الإسلام هي دعوة للعيش والحياة على جميع الأصعدة والناس في الجاهلية كانوا يعيشون الحياة الحيوانية والمادية ، فجاء القرآن ليدعوهم إلى الحياة.
ثم يقول تعالى : (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ).
إنّ الله عزوجل حاضر وناظر ومهيمن على كل المخلوقات. فإنّ الموت والحياة والعلم والقدرة والأمن والسكينة والتوفيق والسعادة ، كلها بيديه وتحت قدرته ، فلا يمكن للإنسان كتمان أمر ما عنه ، أو أن يعمل أمراً بدون توفيقه ، وليس من اللائق التوجه لغيره وسؤال من سواه. لأنّه مالك كل شيء والمحيط بجميع وجود الإنسان.