ورسوله ، فنزلت الآية فيه ، فلما نزلت شدّ نفسه على سارية من سوارى المسجد. وقال : والله لا أذوق طعاماً ولا شراباً حتى أموت أو يتوب الله عليّ! فمكث سبعة أيّام ، لا يذوق طعاماً ولا شراباً حتى خرّ مغشياً عليه ، ثم تاب الله عليه ، فقيل له : يا أبا لبابة قد تيب عليك. فقال : لا والله لا أحل نفسي حتى يكون رسول الله صلىاللهعليهوآله هو الذي يحلّني. فجاءه فحلّه بيده ، ثم قال أبو لبابة : إنّ من تمام توبتي أن أهجر دار قومي التي أصبت فيها الذنب ، وأن أنخلع من مالي. فقال صلىاللهعليهوآله : «يجزئك الثلث أن تصدّق به».
التّفسير
الخيانة وأساسها : يوجه الله سبحانه في الآية الاولى من الآيتين محل البحث الخطاب إلى المؤمنين فيقول : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا لَاتَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ).
إنّ الخيانة لله ورسوله ، هي وضع الأسرار العسكرية للمسلمين في تصرف أعدائهم ، أو تقوية الأعداء أثناء محاربتهم.
ثم تقول الآية : (وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ).
«الخيانة» : في الأصل معناها : الإمتناع عن دفع حق أحد مع التعهد به ، وهي ضد «الأمانة» والأمانة وإن كانت تطلق على الأمانة المالية غالباً ، لكنها في منطق القرآن ذات مفهوم أوسع يشمل شؤون الحياة الاجتماعية والسياسية والأخلاقية كافة.
ويقول القرآن في آخر الآية : (وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ). أي إنّه قد يصدر منكم على نحو الخطأ ما هو خيانة ، ولكن الاقدام على الخيانة مع العلم.
والآية بعدها تحذر المسلمين ليجتنبوا الماديات والمنافع العابرة ، لئلا يلقي على عيونهم وآذاتهم غشاء فيرتكبون خيانة تعرّض المجتمع إلى الخطر فتقول : (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلدُكُمْ فِتْنَةٌ).
فإذا زلت لنا قدم يوماً ، فيجب علينا الإسراع في تصحيح المسير ك «أبي لبابة» وإذا كان المال هو السبب في الإنحراف ، فعلينا بذله وإنفاقه في سبيل الله.
وفي نهاية الآية بشارة كبرى لمن يخرج من هذين الامتحانين منتصراً ، فتقول : (وَأَنَّ اللهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ).
فمهما كان حبّ الأبناء كبيراً ، ومهما كانت الأموال محبوبة وكثيرة ، فإنّ جزاء الله وثوابه أعلى وأعظم من كل ذلك.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) (٢٩)