الإيمان ووضوح الرّؤية : تناولت الآيات السابقة أوامر حياتية تتضمّن السعادة المادية والمعنوية للإنسان ، لكن العمل بها غير ممكن إلّافي ظلال التقوى ، لذلك بيّنت الآية أربعة ثمار ونتائج للتقوى. فقالت ابتداءاً : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا إِن تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا).
إنّنا نرى على مدى التاريخ بعض النساء والرجال المتّقين يملكون وضوحاً من الرؤية لا يمكن بلوغه بوسائل العلم والمعرفة أبداً ، فهم يرون الأسباب الخفيّة للكثير من الحوادث التي تعصف بالمجتمع ، ويرون عناصر الشر وأعداء الحق وإن حجبتهم آلاف الستائر الخادعة.
ومن جانب آخر أنّ إهدار القوى والطاقات في الذنوب يتسبب في بقاء الناس على مستوىً دانٍ من البصيرة والمعرفة ويعيشون التخلّف الثقافي والانحطاط في التفكير حتى وإن كانوا متقدمين في الصناعة والحياة المادية.
ثم يقول : إنّه إضافة إلى معرفة الحق من الباطل فإنّ من آثار التقوى أن يغطي على ذنوبكم ويمحوا آثارها من وجودكم (وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيَاتِكُمْ).
مضافاً إلى ذلك ، فإنّه تعالى سيشملكم بمغفرته (وَيَغْفِرْ لَكُمْ).
وثمار كثيرة اخرى تنتظركم لا يعلمها إلّاالله : (وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ). فهذه الآثار الأربعة هي ثمرات في شجرة التقوى ، ووجود روابط طبيعية بين التقوى وقسم من هذه الآثار لا يمنع من نسبة كل ذلك إلى الله تبارك وتعالى.
والفرق بين (تكفير السيئات) و (الغفران) هو أنّ (تكفير السيئات) تشير للآثار النفسية والاجتماعية للذنوب والتي تزول بفعل التقوى ، ولكن (الغفران) إشارة إلى مسألة العفو الإلهي والخلاص من الجزاء ....
(وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) (٣٠)
سبب النّزول
ذكر المفسرون والمحدثون أنّ الآية ـ محل البحث ـ تشير إلى الحوادث التي أدّت إلى هجرة الرسول صلىاللهعليهوآله من مكة إلى المدينة.