في تفسير مجمع البيان : قال المفسرون : إنّها نزلت في قصة دار الندوة وذلك أنّ نفراً من قريش اجتمعوا فيها ، وهي دار قصي بن كلاب ، وتآمروا في أمر النبي صلىاللهعليهوآله ، فقال عروة بن هشام : نتربّص به ريب المنون ، وقال أبو البختري : أخرجوه عنكم تستريحوا من أذاه ، وقال أبو جهل : ما هذا برأي ، ولكن اقتلوه بأن يجتمع عليه من كل بطن رجل فيضربوه بأسيافهم ضربة رجل واحد فيرضى حينئذ بنو هاشم بالدية ، فصوّب إبليس هذا الرأي ، وكان قد جاءهم في صورة شيخ كبير من أهل نجد ، وخطّأ الأوّلين.
فاتفقوا على هذا الرأي وأعدّو الرجال والسلاح وجاء جبرائيل عليهالسلام فأخبر رسول الله صلىاللهعليهوآله فخرج إلى الغار وأمر عليّاً فبات على فراشه ، فلمّا أصبحوا وفتشوا عن الفراش ، وجدوا عليّاً. وقد ردّ الله مكرهم فقالوا : أين محمّد؟ فقال : لا أدري. فاقتصّوا أثره وأرسلوا في طلبه ، فلمّا بلغوا الجبل ومرّوا بالغار ، رأوا على بابه نسج العنكبوت ، فقالوا : لو كان هاهنا لم يكن نسج العنكبوت على بابه. فمكث فيه ثلاثاً ثم قدم المدينة.
التّفسير
هذه الآية وخمس آيات تليها ، نزلت في مكة لأنّها تشير إلى هجرة النبي صلىاللهعليهوآله فتقول في بدايتها : (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ).
ثم تضيف الآية قائلة : (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمكِرِينَ).
إنّ المشركين قد بذلوا كل ما في وسعهم وجهدهم من طاقاتٍ فكرية وجسدية للقضاء على نبي الخاتم صلىاللهعليهوآله حتى أنّهم أعدّوا جائزة لهذا الغرض وهي مئة ناقة ، ولكن الله سبحانه أذهب بأتعابهم أدراج الرياح بواسطة نسيج العنكبوت!
ونظراً إلى أنّ هجرة النبي صلىاللهعليهوآله تمثل مرحلة جديدة في التاريخ الإسلامي ، بل التاريخ الإنساني ، فإنّنا نستنتج أنّ الله قد غير مسيرة التاريخ البشري بما نسجته العنكبوت من خيوط ....
وهذا الأمر لا ينحصر بهجرة النبي صلىاللهعليهوآله بل في جميع تأريخ الأنبياء ، فإنّ الله سبحانه أذل أعداءهم ودمرهم وأباد قوى الضلال بأسباب هيّنة كالريح ـ مثلاً ـ أو كثرة البعوض ، أو الطير الصغيرة التي تُسمّى بالأبابيل ، ليبين حالة الضعف البشري والعجز إزاء قدرته اللامتناهية وليردع الإنسان عن التفكير بالطغيان والعناد.