ولكن الله جعلكم إزاء أمر مقدر ، وكما تقول الآية : (وَلكِن لِّيَقْضِىَ اللهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولاً).
وليعرف الحق من الباطل في ظلال ذلك النصر غير المتوقع والمعجزة الباهرة و (لّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَىَّ عَن بَيّنَةٍ).
وتعقب الآية قائلةً : (وَإِنَّ اللهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ).
فقد سمع نداء استغاثاتكم ، وكان مطلعاً على نياتكم ، ولذلك أيّدكم بنصره على أعدائكم.
وكان النبي صلىاللهعليهوآله قد رأى في منامه من قبل أنّ قلة من المشركين تقاتل المسلمين ، وكانت هذه الرؤيا إشارة إلى النصر وبشارة به ، فقد رواه صلىاللهعليهوآله للمسلمين فازدادت العزائم في الزحف نحو معركة بدر.
والآية الثانية من الآيات محل البحث تشير إلى الحكمة من هذا الأمر ، والنعمة التي أولاها سبحانه وتعالى للمسلمين عن هذا الطريق ، فتقول : (إِذْ يُرِيكَهُمُ اللهُ فِى مَنَامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَرَيكَهُمْ كَثِيرًا لَّفَشِلْتُمْ). ولهبطت معنوياتكم ، ولم يقف الامر عند هذا الحدّ ، بل لأدّى ذلك إلى التنازع واختلاف الكلمة (وَلَتَنَازَعْتُمْ فِى الْأَمْرِ وِلكِنَّ اللهَ سَلَّمَ) وانقذ الأمر بواسطة الرؤيا التي أظهرت الوجه الباطني لجيش الأعداء ، ولأنّ الله يعرف باطنكم (إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ).
وتُذكّر الآية الاخرى بمرحلة من مراحل معركة بدر تختلف عن سابقتها ، ففي هذه المرحلة وفي ظل خطاب النبي المؤثر فيهم والبشائر الربانية ، ورؤية حوادث حال التهيؤ للقتال ـ كنزول المطر لرفع العطش ولتكون الرمال الرخوة صالحة لساحة المعركة ـ تجددت بذلك المعنويات وكبر الأمل بالنصر وقويت عزائم القلوب ، حتى صاروا يرون الجيش المعادي وكأنّه صغير ضعيف لا حول ولا قوة له ، فتقول الآية المباركة : (وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِى أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً).
أمّا العدو فإنّه لما كان يجهل معنويات المسلمين وظروفهم ، فكان ينظر إلى ظاهرهم فيراهم قليلاً جدّاً ، بل رآهم أقل مما هم عليه ، إذ تقول الآية في الصدد (وَيُقَلّلُكُمْ فِى أَعْيُنِهِمْ).
لهذا فإنّ الآية تعقب على ما سبق قائلة : (لِيَقْضِىَ اللهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولاً).
فلم تنته هذه المعركة وحدها وفق سنة الله فحسب ، بل إنّ إرادته نافذة في كل شيء (وَإِلَى اللهِ تُرجَعُ الْأُمُورُ).