يكمل البحوث السابقة التي تناولت انحراف أهل الكتاب «اليهود والنصارى» عن حقيقة التوحيد ، وتتكلم عن انصراف علمائهم عن واجبهم في التبليغ وقيادة المجتمع.
وحيث سبّب انتشار الإسلام واتساع رقعة مجتمعه آنئذ ظهور حاجات مختلفة ينبغي توفيرها ، فقد عرضت بقية الآيات من هذه السورة موضوع الزكاة وتحريم تراكم الثروات واكتنازها ، ووجوب طلب العلم أو التعلّم وتعليم الجهلة ، وتناولت بحوثاً متنوعة اخرى كقصة هجرة النبي صلىاللهعليهوآله ، والأشهر الحرم التي يحرم فيها القتال ، وأخذ الجزية من الأقليات الدينية غير الإسلامية كاليهود والنصارى ، وما إلى ذلك.
في تفسير مجمع البيان عن رسول الله صلىاللهعليهوآله أنّه قال : «ما نزل عليّ القرآن إلّاآية آية ، وحرفاً حرفاً ، خلا سورة البراءة وقل هو الله أحد ، فإنّهما نزلتا عليّ ومعهما سبعون ألف صف من الملائكة ، كل يقول يا محمّد استوص بنسبة الله خيراً».
٤ ـ لِم لَم تبدأ هذه السورة بالبسملة؟ يُجيب استهلال السورة على السؤال آنف الذكر فقد بُدئت بالبراءة ـ من قبل الله ـ من المشركين ، وإعلان الحرب عليهم ، واتباع أسلوب شديد لمواجهتهم ، وبيان غضب الله عليهم ، وكل ذلك لا يتناسب والبسملة (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) الدالة على الصفاء والصدق والسلام والحب ، والكاشفة عن صفة الرحمة واللطف الإلهي.
(بَرَاءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١) فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ وَأَنَّ اللهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ) (٢)
(إلغاء عهود المشركين :) كانت في المجتمع الإسلامي ومحيطه طوائف شتى ، فطائفة منها مثلاً لم يكن لها أيّ عهد مع النبي صلىاللهعليهوآله والنبي كذلك لم يكن له أيّ عهد معها.
وطوائف اخرى عاهدت النبي صلىاللهعليهوآله في الحديبية ـ وأمثالها ـ على ترك المخاصمة والمنازعة ، وقد نقضت بعض تلك الطوائف عهودها من جانب واحد ، وبدون أي سبب يجيز النقض وذلك بمظاهرتها أعداء الإسلام ، أو حاولت اغتيال رسول الله صلىاللهعليهوآله.
الآية الاولى من الآيتين محل البحث تعلن للمشركين كافة : (بَرَاءَةٌ مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مّنَ الْمُشْرِكِينَ).
يستفاد من الروايات أنّ علياً عليهالسلام قد امر بإبلاغ أربع مواد إلى الناس في ذلك اليوم وهي :