فإذا أشرقت أنوار الهداية في قلوبهم فسيؤمنون بدعوتك.
ثم تضيف الآية قائلة : (ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ) وأوصله إلى مكان آمن حتى لا يعترضه أحد في طريقه.
وأخيراً فإنّ الآية تبين علة هذا الحكم ، فتقول : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّايَعْلَمُونَ).
فبناءً على ذلك لو فُتحت أبواب المعرفة بوجوهم ، فإنّه يؤمّل خروجهم من الوثنية التي هي وليدة الجهل ـ وإلتحاقهم بركب التوحيد الذي هو وليد العلم والمعرفة.
(كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (٧) كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ (٨) اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٩) لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ) (١٠)
المعتدون الناقضون العهد : كما لاحظنا في الآيات السابقة أنّ الإسلام ألغى جميع العهود التي كانت بينه وبين المشركين وعبدة الأوثان ـ إلّاجماعة خاصة ـ وأمهلهم مدّة أربعة أشهر ليقرروا موقفهم منه ، والآيات محل البحث بيان لعلة إلغاء العهود من قِبل الإسلام ، فتقول الآية الاولى من هذه الآيات مستفهمة استفهاماً إنكارياً : (كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِندَ اللهِ وَعِندَ رَسُولِهِ). أي : إنّهم لا ينبغي لهم أن يتوقعوا أو ينتظروا الوفاء بالعهد من قِبل النبي صلىاللهعليهوآله ومن جانب واحد ، في وقت تصدر منهم المخالفات وعدم الوفاء بالعهد.
ثم استثنت الآية مباشرة اولئك الذين لم ينقضوا عهدهم ، بل بقوا أوفياء له ، فقالت : (إِلَّا الَّذِينَ عهَدتُّم عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ).
وفي الآية التالية يثار هذا الموضوع بمزيد الصراحة والتأكيد ، ويستفهم منه استفهاماً إنكارياً أيضاً ، إذ تقول الآية : (كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَايَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً).