فعلينا أن نغرس مدلول هاتين الآيتين في قلوب اطفال المسلمين وشبابهم ونجعله شعاراً لنا ، ونحيي في نفوس المسلمين روح التضحية والجهاد ، ليحافظوا على ثقافتهم وموروثهم المعرفي.
(لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (٢٥) ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (٢٦) ثُمَّ يَتُوبُ اللهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٢٧)
الكثرة وحدها لا تجدي نفعاً : في الآيات المتقدمة رأينا أنّ الله سبحانه يدعوا المسلمين إلى التضحية والجهاد على جميع الصُعد في سبيل الله وقلع جذور الشرك وعبادة الأوثان ، ويهدد بشدة من يتقاعس منهم عن الجهاد والتضحية بسبب التعلق بالأزواج والأولاد والأرحام والعشيرة والمال والثروة. أمّا الآيات محل البحث فتشير إلى مسألة مهمة ، وهي أنّ على كل قائد أن ينّبه أتباعه في اللحظات الحساسة بأنّه إذا كان فيهم بعض الأشخاص من ضعاف الايمان والذين يحجبهم التعلق بالمال والولد والأزواج وما إلى ذلك عن الجهاد في سبيل الله ، فلا ينبغي أن يقلق المؤمنون المخلصون من هذا الأمر ، وعليهم أن يواصلوا طريقهم ، لأنّ الله لم يتخلّ عنهم يوم كانوا قلة ، كما هو الحال في معركة بدر ، ولا يوم كانوا كثرة ملء العين (كما في معركة حنين) وقد أعجبتهم الكثرة فلم تغن عنهم شيئاً ، لكن الله سبحانه أنزل جنوداً لم تروها ، وعذب الذين كفروا ، فالله في الحالين ينصر المؤمنين ويرسل إليهم مدده ... لهذا فإنّ الآية الاولى من الآيات محل البحث تقول : (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِى مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ).
ثم تضيف الآية معقبة : (وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيًا). وكان جيش المسلمين يوم حنين زهاء اثني عشر ألفاً ، وهذا الرقم لم يسبق له مثيل في الحروب الإسلامية قبل ذلك الحين ، حتى إغتر بعض المسلمين وقالوا : «لن نُغلب اليوم».
إلّا أنّه قد فرّ كثير من المسلمين ذلك اليوم ، لكونهم جديدي عهد بالإسلام ولم يتوغل الإيمان في قلوبهم فانكسر جيش المسلمين في البداية وكاد العدو أن يغلبهم لولا أنّ الله أنزل بلطفه مدده وجنوده فنجّاهم.