المقاتلين جديدي الإسلام (بمكة) من مقدمة الجيش ، فكان أن ذُهل المسلمون واضطربوا وفرّ الكثير منهم.
فخلّى الله بين جيش المسلمين وجيش العدو ، وترك الجيشين على حالهما ، ولم يحم المسلمين لغرورهم ـ مؤقتاً ـ حتى ظهرت آثار الهزيمة فيهم.
إلّا أنّ عليّاً حامل لواء النبي بقي يقاتل في عدة قليلة معه ، فأمر النبي صلىاللهعليهوآله عمّه العباس ـ وكان جهير الصوت ـ أن يصعد على تل قريب وينادي : يا معشر المهاجرين والأنصار ، يا أصحاب سورة البقرة ، يا أهل بيعة الشجرة ، إلى أين تفرّون؟ هذا رسول الله صلىاللهعليهوآله.
فلّما سمع المسلمون صوت العباس رجعوا وقالوا : لبيك لبيك ، ولا سيما الأنصار إذ عادوا مسرعين وحملوا على العدو من كل جانب حملة شديدة ، فقتل حوالي مئة شخص من هوازن ، وغنم المسلمون أموالهم كما أسروا عدّة منهم.
ونقرأ في نهاية هذه الحادثة التأريخية أنّ ممثلي هوازن جاءوا النبي وأعلنوا إسلامهم ، وأبدى لهم النبي صلىاللهعليهوآله صفحه وحبّه.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (٢٨)
لا يحق للمشركين أن يدخلوا المسجد الحرام : قلنا : إنّ واحداً من الامور الأربعة التي بلّغها الإمام علي عليهالسلام في موسم الحج في السنة التاسعة للهجرة ، هو أنّه لا يحق لأحد من المشركين دخول المسجد الحرام ، أو الطواف حول البيت ، فالآية محل البحث تشير إلى هذا الموضوع وحكمته ، فتقول أوّلاً : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هذَا).
ثم تعقب الآية على ذوي النظرة السطحية الذين كانوا يزعمون بأن المشركين إذا انقطعوا عن المسجد الحرام ذهبت تجارتهم وغدوا فقراء مغوزين فتقول : (وَإِن خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاءَ).
كما فعل ذلك سبحانه على خير وجه ، فباتساع رقعة الإسلام في عصر النبي صلىاللهعليهوآله أخذ سيل الزائرين يتجه نحو بيت الله في مكة ، وما زال هذا الأمر مستمراً حتى عصرنا الحاضر حيث أصبحت مكة في أحسن الظروف فهي بين سلسلة جبال صخرية لا ماء فيها ولا