وتذكر الآية الصفة الثالثه التي كانوا يتصفون بها فتقول : (وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقّ). أي إنّ أديانهم منحرفة عن مسيرها الأصيل ، فنسوا كثيراً من الحقائق والتزموا بكثير من الخرافات مكانها.
وبعد ذكر هذه الأوصاف الثلاثة ، التي هي المسوغ لجهاد المسلمين لأهل الكتاب ، تقول الآية : (مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابِ).
ثم تبين الآية الفرق بين أهل الكتاب والمشركين في مقاتلتهم ، بالجملة التالية : (حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ).
«الصاغر» : مأخوذ من «الصِغَر» ومعناه الراضي بالذلة. والمراد من الآية أنّ الجزية ينبغي أن تُدفع في حال من الخضوع للإسلام والقرآن.
ما هي الجزية؟تُعدّ الجزية ضريبة مالية «إسلامية» وهي تتعلق بالأفراد لا بالأموال ولا بالأراضي. أو بتعبير آخر : هي ضريبة مالية سنوية على الرؤوس. أنّ فلسفة هذه الضرائب أو حكمتها هي الدفاع عن الوطن واستقلاله وأمنه ، وهي وظيفة عامة على جميع الناس ، فبناء على ذلك متى ما قام جماعة فعلاً بالمحافظة على الوطن ولم يستطع الآخرون أن يجندوا أنفسهم للدفاع عن الوطن ، لأنّهم يكتسبون ويتّجرون ـ مثلاً ـ فإنّ على الجماعة الثانية أن تقوم بمصارف المقاتلين فتدفع ضرائب سنوية للدولة.
فبناء على ذلك أنّ الجزية إعانة مالية فحسب ، يقدمها أهل الكتاب إزاء ما يتحمله المسلمون من مسؤولية في الحفاظ عليهم وعلى أموالهم.
(وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (٣٠) اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلهاً وَاحِداً لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (٣١) يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (٣٢) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) (٣٣)