أمّا اولئك الذين لا يصدّقون بآياتنا ، بل يكذّبون بها فإنّ عقابهم على فسقهم وعصيانهم عذاب من الله : (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بَايَاتِنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ).
من الجدير بالإنتباه أنّ الآية ذكرت عقاب الذين يكذبون بآيات الله بعبارة (يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ) فكأنّ هذا العقاب يطاردهم في كل مكان حتى يشملهم بأشدّ ما يكون من العذاب.
(قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ) (٥٠)
معرفة الغيب : هذه الآية استمرار للردّ على إعتراضات الكفار والمشركين المختلفة ، والرد يشمل ثلاثة أقسام من تلك الإعتراضات في جمل قصيرة :
الأوّل : هو أنّهم كانوا يريدون من رسول الله صلىاللهعليهوآله القيام بمعجزات عجيبة وغريبة ، وكان كل واحد يتقدّم باقتراح حسب رغبته ، بل إنّهم لم يكونوا يقنعون بمشاهدة معجزات طلبها آخرون ، فمرّة كانوا يطلبون بيوتاً من ذهب ، ومرّة يريدون هبوط الملائكة ، ومرّة يريدون أن تتحوّل أرض مكة القاحلة المحرقة إلى بستان مليء بالمياه والفواكه. ولعلهم بطلباتهم الغريبة تلك كانوا يتوقعون أن يكون للنبي مقام الألوهية وإمتلاك الأرض والسماء ، فللردّ على هؤلاء يأتي الأمر من الله : (قُلْ لَاأَقُولُ لَكُمْ عِندِى خَزَائِنُ اللهِ).
يتّضح أنّ «خزائن الله» تشمل مصدر ومنبع جميع الأشياء ، وهي تستقي من ذات الله اللامتناهية منبع جميع الكمالات والقدرات.
ثم تردّ الآية على الذين كانوا يريدون من رسول الله صلىاللهعليهوآله أن يكشف لهم عن جميع أسرار المستقبل ، بل ويطلعهم على ما ينتظرهم من حوادث لكي يدفعوا الضرر ويستجلبوا النفع ، فتقول : (وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ).
في الجملة الثالثة ردّ على الذين كانوا يتصوّرون النبي صلىاللهعليهوآله ملكاً ، أو أن يصاحبه ملك ، وأن لا يتصف بما يتصف به البشر من تناول الطعام والسير في الطرقات ، وغير ذلك ، فقال : (وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنّى مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَىَّ).
وفي الختام يؤمر رسول الله صلىاللهعليهوآله أن يقول لهم : هل يمكن للذين يغمضون أعينهم ويغلقون عقولهم عن التفكير أن يكونوا على قدم المساواة مع الذين يرون الحقائق جيداً