التّفسير
مكافحة التفكير الطبقي : في هذه الآية إشارة إلى واحد من إحتجاجات المشركين ، وهو أنّهم كانوا يريدون من النّبي صلىاللهعليهوآله أن يقرّ ببعض الإمتيازات لطبقة الأغنياء ويفضّلهم على طبقة الفقراء ، إذ كانوا يرون في جلوسهم مع الفقراء من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآله منقصة لهم أيّ منقصة! مع أنّ الإسلام كان قد جاء للقضاء على مثل هذه الإمتيازات الزائفة الجوفاء ، كانوا يصرّون على هذا الطلب في طرد اولئك عنه ، غير أنّ القرآن ردّ هذا الطلب مستنداً إلى أدلة حيّة ، فيقول : (وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَوةِ وَالْعَشِىّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) (١).
في الحقيقة كان هؤلاء يستندون في طلبهم ذاك إلى سنّة قديمة خاطئة تقيّم المرء على أساس ثروته ، وكانوا يعتقدون أنّ المعايير الطبقية القائمة على أساس الثروة يجب أن تبقى محفوظة ، ويرفضون كل دعوة تستهدف إلغاء هذه القيم والمعايير.
ثم تقول الآية : إنّه ليس ثمّة ما يدعو إلى إبعاد هؤلاء المؤمنين عنك ، لأنّ حسابهم ليس عليك ، ولا حسابك عليهم : (مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِّن شَىْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِم مِّن شَىْءٍ). ولكنّك مع ذلك إذا فعلت تكون ظالماً : (فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ).
والمقصود من «الحساب» هنا هو حساب الأعمال. إنّ المشركين كانوا يتهمون أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآله الفقراء بالإبتعاد عن الله بسبب فقرهم ، زاعمين أنّهم لو كانت أعمالهم مقبولة عند الله لزمه الترفيه والتوسعة عليهم في معيشتهم.
فيرد القرآن على ذلك مبيّناً أنّنا حتى لو فرضنا أنّهم كذلك ، فإنّ حسابهم على الله ، مادام هؤلاء قد آمنوا وأصبحوا في صفوف المسلمين ، فلا يجوز طردهم بأيّ ثمن ، وبهذا يقف في وجه إحتجاج أشراف قريش.
إمتياز كبير للإسلام : إنّنا نعلم أنّ دائرة صلاحيات رجال الدين المسيحيين المعاصرين قد اتسعت إتساعاً مضحكاً بحيث إنّهم أعطوا أنفسهم حق غفران الذنوب ، فبإمكانهم طرد الأشخاص وتكفيرهم أو قبولهم لأتفه الامور. إلّاأنّ القرآن ، في هذه الآية وفي آيات اخرى ينفي صراحة أن يكون لأحد الحق ، بل ولا لرسول الله صلىاللهعليهوآله نفسه في أن يطرد أحداً أظهر إيمانه ولم يفعل ما يوجب إخراجه من الإسلام ، وأنّ غفران الذنوب والحساب بيد الله وحده ، ولا يحق لأحد التدخل في هذا أبداً.
__________________
(١) معنى «الوجه» في اللغة معروف ، ولكنّ الكلمة قد تعني «الذات» كما في هذه الآية.