سبب النّزول
في تفسير مجمع البيان : إنّ الآية الاولى نزلت في عبد الله بن زائدة وهو ابن أم مكتوم ، وكان ضرير البصر ، جاء إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله فقال : يا نبى الله إنّي شيخ ضرير ، خفيف الحال ، نحيف الجسم ، وليس لي قائد فهل لي رخصة في التخلف عن الجهاد؟ فسكت النبي صلىاللهعليهوآله ، فأنزل الله الآية.
والآية الثانية نزلت في البكائين وهم سبعة نفر من فقراء الأنصار جاءوا إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله فقالوا : يا رسول الله! احملنا فإنّه ليس لنا ما نخرج عليه. فقال : «لا أجد ما أحملكم عليه».
التّفسير
هذه الآيات قسمت المسلمين في مجال المشاركة في الجهاد لتوضيح حال سائر المجاميع من ناحية القدرة على الجهاد ، أو العجز عنه ، وأشارت إلى خمس مجموعات : أربع منها معذورة حقيقة وواقعاً ، والخامسة هم المنافقون.
الآية الاولى تقول : إنّ الضعفاء ، والعاجزين لكبر أو عمى أو نقص في الأعضاء ، والذين لا وسيلة لهم يتنقلون بها ويستفيدون منها في المشاركة في الجهاد ، لا حرج عليهم إذا تخلفوا عن هذا الواجب الإسلامي المهم : (لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ).
هذه الأقسام الثلاث تعذر في كل قانون إذا لم تشارك ، والعقل والمنطق يمضي هذا التسامح ، ومن المسلم أنّ القوانين الإسلامية لا تنفصل عن المنطق والعقل في أي مورد.
«الحرج» : في الأصل تعني مركز اجتماع الشيء ، ولما كان اجتماع الناس وكثرتهم في مكان ومركز ما ملازم لضيق ذلك المكان ، فقد استعملت هذه الكلمة بمعنى الضيق والإزعاج والمسؤولية والتكليف ، ويكون معناها في هذه الآية هو المعنى الأخير ، أي المسؤولية والتكليف.
ثم بيّنت الآية شرطاً مهماً في السماح لهؤلاء بالإنصراف ، وهو إخلاصهم وحبّهم لله ورسوله ، ورجاؤهم وعملهم كل خير لهذا الدين الحنيف ، لذا قالت : (إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ). أي إنّ هؤلاء قادرون على استعمال سلاح الكلمة والسلوك الإسلامي الأمثل ، وبهذا يستطيعون ترغيب المجاهدين.