ويجب أن لا يقصروا في هدم وتضعيف معنويات العدو ، وتهيئة أرضية الهزيمة في نفوس أفراده قدر المستطاع.
ثم تذكر الآية الدليل على هذا الموضوع ، فتذكر أن مثل هؤلاء الأفراد الذين لا يألون جهداً في عمل الخير ، لا يمكن أن يعاتبوا أو يُوبّخوا أو يُعاقبوا ، إذ (مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ).
بعد ذلك اختتمت الآية بذكر صفتين عظيمتين من صفات الله عزوجل ـ وكل صفاته عظيمة ـ كدليل آخر على جواز تخلف هؤلاء المندرجين ضمن المجموعات الثلاث فقالت : (وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ).
«غفور» : مأخوذة من مادة الغفران ، أي الستر والإخفاء ، أي إنّ الله سبحانه وتعالى سيلقي الستار على أعمال هؤلاء المعذورين ويقبل أعذارهم ، وكون الله «رحيماً» يقتضي أن لا يكلف أحداً فوق طاقته ، بل يعفيه من ذلك ، وإذا اجبر هؤلاء على الحضور في ميدان القتال ، فإنّ ذلك لا يناسب غفران الله ورحمته ، وهذا يعني أنّ الله الغفور الرحيم سيعفي هؤلاء عن الحضور حتماً ، ويعفو عنهم.
ثم تشير الآية إلى الفئة الرابعة من المعفو عنهم وهؤلاء هم الذين حضروا ـ بشوق ـ عند النبي صلىاللهعليهوآله وطلبوا منه أن يحملهم على الدواب للمشاركة في الجهاد ، فاعتذر النبي صلىاللهعليهوآله بأنّه لا يملك ما يحملهم عليه ، فخرجوا من عنده وعيونهم تفيض من الدمع حزناً وأسفاً على ما فاتهم ، وعلى أنّهم لا يملكون ما ينفقونه في سبيل الله : (وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَاأَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوا وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنفِقُونَ).
«تفيض» : من مادة الفيضان ، أي الإنسكاب والتساقط بعد الإمتلاء ، فإنّ الإنسان إذا أهمه أمر أو دهمته مصيبة ، فإذا لم تكن شديدة اغرورقت عيناه بالدموع وامتلأت دون أن تجري ، أمّا إذا وصلت إلى مرحلة يضعف الإنسان عن تحملها سالت دموعه.
أمّا آخر آية فتبين وضع الفئة الخامسة ، وهم الذين لم يعذروا ، ولن يُعذروا عند الله تعالى ، فإنّهم قد توفرت فيهم كل الشروط ، ويملكون كل مستلزمات الجهاد ، فوجب عليهم حتماً ، لكنهم رغم ذلك يحاولون التملّص من أداء هذا الواجب الإلهي الخطير ، فجاؤوا إلى النبي صلىاللهعليهوآله يطلبون الإذن في الإنصراف عن الحرب ، فبينت الآية أنّهم سيؤاخذون بتهرّبهم ويعاقبون عليه : (إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ).