(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) (١٢٣)
قتال الأقرب فالأقرب : أشارت الآية في سياق أحكام الجهاد التي ذكرت لحد الآن في هذه السورة ـ إلى أمرين آخرين في هذا الموضوع الإسلامي المهم ، فوجهت الخطاب أوّلاً إلى المؤمنين وقالت : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ).
إنّ هذه الآية بالرغم من أنّها تتحدث عن العمل المسلح والبعد المكاني ، إلّاأنّه ليس من المستبعد أنّ روح الآية حاكمة في الأعمال المنطقية والفواصل المعنوية ، أي إنّ المسلمين عندما يعزمون على المجابهة المنطقية والإعلامية والتبليغية يجب أن يبدؤوا بمن يكون أقرب إلى المجتمع الإسلامي وأشدّ خطراً عليه ، فمثلاً في عصرنا الحاضر نرى أنّ خطر الإلحاد والمادية يهدد كل المجتمعات ، فيجب تقديم التصدّي لها على مواجهة المذاهب الباطلة الاخرى ، وهذا لا يعني نسيان هؤلاء ، بل يجب اعطاء الأهمية القصوى للهجوم نحو الفئة الأخطر ، وهكذا في مواجهة الاستعمار الفكري والسياسي والاقتصادي التي تحوز الدرجة الاولى من الأهمية.
والأمر الثاني فيما يتعلق بالجهاد في الآية ، هو اسلوب الحزم والشدّة ، فهي تقول : إنّ العدو يجب أن يلمس في المسلمين نوعاً من الخشونة والشدّة : (وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً) وهي تشير إلى أنّ الشجاعة والشهامة الداخلية والإستعداد النفسي لمقابلة العدو ومحاربته ليست كافية بمفردها ، بل يجب اظهار هذا الحزم والصلابة للعدو ليعلم أنّكم على درجة عالية من المعنويات ، وهذا بنفسه سيؤدّي إلى هزيمتهم وانهيار معنوياتهم.
وبعبارة اخرى فإنّ امتلاك القدرة ليس كافياً ، بل يجب استعراض هذه القوة أمام العدو.
وفي النهاية تبشر الآية المسلمين بالنصر من خلال هذه العبارة : (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ). ويمكن أن يشير هذا التعبير ـ إضافةً لما قيل ـ إلى أنّ استعمال الشدّة والخشونة يجب أن يقترن بالتقوى ، ولا يتعدى الحدود الإنسانية في أي حال.
(وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (١٢٤) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ) (١٢٥)