تأثير آيات القرآن المتباين على القلوب : تشير هاتان الآيتان إلى واحدة من علامات المؤمنين والمنافقين البارزة ، تكملةً لما مرّ من البحوث حولهما. فتقول أوّلاً : (وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هذِهِ إِيمنًا). وهم يريدون بكلامهم هذا أن يبينوا عدم تأثير سور القرآن فيهم ، وعدم اعتنائهم بها ، ويقولون : إنّ هذه الآيات لا تحتوي على الشيء المهم والمحتوى الغني ، بل هي كلمات عادية ومعروفة.
ولكن القرآن يجيبهم بلهجة قاطعة ، ويقول ضمن تقسيم الناس إلى طائفتين : (فَأَمَّا الَّذِينَءَامَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمنًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ).
وهذا على خلاف المنافقين ومرضى القلوب من الجهل والحسد والعناد (وأَمَّا الَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ).
وفي النهاية فإنّ هؤلاء بعنادهم يغادرون الدنيا على الكفر : (وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ).
إنّ القرآن الكريم يؤكّد من خلال هاتين الآيتين على حقيقة ، وهي أنّ وجود البرامج والقوانين الحياتية لا تكفي بمفردها لسعادة فرد أو جماعة ، بل يجب أن يؤخذ بنظر الاعتبار وجود الأرضية المهيئة والإستعداد للتلقي كشرط أساسي.
(أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ (١٢٦) وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ) (١٢٧)
يستمر الكلام في هذه الآيات حول المنافقين ، وهي توبّخهم وتذمهم فتقول : (أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِى كُلّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ). والعجيب أنّهم رغم هذه الامتحانات المتلاحقة لا يعتبرون (ثُمَّ لَايَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ).
يظهر من تعبير الآية أنّ هذا الاختبار يختلف عن الاختبار العام الذي يواجهه كل الناس في حياتهم ، بل انّ هذا الاختبارات التي ينبغى أن تكون سبباً في توعية هذه المجموعة كإزاحة الستار عن أعمال هؤلاء السيئة وظهور باطنهم وحقيقتهم.
ثم تشير الآية إلى الموقف الإنكاري لهؤلاء في مقابل الآيات الإلهية ، فتقول : (وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ نَّظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ).