إنّ خوف هؤلاء وقلقهم ناشي من أنّ تلك السورة تتضمن فضيحة جديدة لهم ، أو لأنّهم لا يفهمون منها شيئاً لعمى قلوبهم ، والإنسان عدوّ ما يجهل.
وعلى كل حال ، فإنّهم كانوا يخرجون من المسجد حتى لا يسمعوا هذه الأنغام الإلهية ، إلّا أنّهم كانوا يخشون أن يراهم أحد حين خروجهم ، ولذلك كان أحدهم يهمس في أذن صاحبه ويسأله : (هَلْ يَرَيكُم مِّنْ أَحَدٍ)؟ وإذا ما أطمأنوا إلى أنّ الناس منشغلون بسماع كلام النبي صلىاللهعليهوآله وغير ملتفتين إليهم خرجوا : (ثُمَّ انصَرَفُوا).
وتطرّقت الآية في الختام إلى ذكر علة هذا الموضوع فقالت : إنّ هؤلاء إنّما لا يريدون سماع كلمات الله سبحانه ولا يرتاحون لذلك لأنّ قلوبهم قد حاقت بها الظلمات لعنادهم ومعاصيهم فصرفها الله سبحانه عن الحق ، وأصبحوا أعداءً للحق لأنّهم أناس جاهلون لا فكر لهم : (صَرَفَ اللهُ قُلُوبَهُم بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّايَفْقَهُونَ).
(لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (١٢٨) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللهُ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) (١٢٩)
آخر آيات القرآن المجيد : إنّ هذه الآيات برأي بعض المفسّرين ، هي آخر الآيات التي نزلت على النبي صلىاللهعليهوآله وبها تنتهي سورة التوبة ، فهي في الواقع إشارة إلى كل المسائل التي مرّت في هذه السورة. ومن هنا فإنّ خطاب الآية الاولى موجّه للناس ، فهي تقول : (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مّنْ أَنفُسِكُمْ). خاصة وأنّه قد وردت لفظة (مّنْ أَنفُسِكُمْ) وهي تشير إلى شدة إرتباط النبي صلىاللهعليهوآله بالناس ، حتى كأنّ قطعة من روح الناس والمجتمع قد ظهرت بشكل النبي صلىاللهعليهوآله.
فبعد ذكر هذه الصفة (مّنْ أَنفُسِكُمْ) أشارت الآية إلى أربع صفات اخرى من صفات النبي صلىاللهعليهوآله السامية ، والتي لها الأثر العميق في إثارة عواطف الناس وجلب انتباههم وتحريك أحاسيسهم. ففي البداية تقول : (عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ). أي أنّ الأمر لا ينتهي في أنّه لا يفرح لأذاكم ومصاعبكم ، بل إنّه لا يقف موقف المتفرج تجاه هذا الأذى ، فهو يتألم لألمكم.
ثم تضيف أنّه : (حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ) ويتحمس لهدايتكم.
ثم تشير إلى الصفتين الثالثه والرابعة وتقول : (بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ). وعلى هذا فإنّ