إدراك معناها ، ومن دون العمل بمحتواها ، لأنّ التلاوة مقدمة للفهم ، والفهم مقدمة للعمل.
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمـَنِ الرَّحِيمِ
(الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (١) أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ) (٢)
رسالة النبي : في هذه السورة نواجه ـ مرّة اخرى ـ الحروف المقطعة في القرآن ، والتي ذكرت بصورة (الر). بعد هذه الحروف تشير الآية أوّلاً إلى عظمة آيات القرآن وتقول : (تِلْكَءَايتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ). إنّ التعبير ب «تلك» وهي إسم إشارة للبعيد ، بدل (هذه) التي تشير للقريب ، والذي جاء نظيره في بداية سورة البقرة ، يعتبر من التعبيرات الجميلة واللطيفة في القرآن ، وهو كناية عن عظمة ورفعة مفاهيم القرآن.
إنّ توصيف الكتاب السماوي ـ أي القرآن ـ بأنّه «حكيم» هو إشارة إلى أنّ آيات القرآن محكمة ومنظمة ودقيقة ، بحيث لا يمكن أن يأتيها أو يخالطها أيّ شكل من أشكال الباطل والخرافة ، فهي لا تقول إلّاالحق ، ولا تدعو إلّاإلى طريق الحق.
أمّا الآية الثانية فإنّها تبيّن ـ ولمناسبة تلك الإشارة التي مرّت إلى القرآن والوحي الإلهي في الآية السابقة ـ واحداً من إشكالات المشركين على النبي صلىاللهعليهوآله وهو نفس الإشكال الذي جاء في القرآن بصورة متكررة ، وهذا التكرار يبيّن أنّ هذا الإشكال من إشكالات المشركين المتكررة ، وهو : لماذا نزل الوحي الإلهي من الله على إنسان مثلهم؟ ولماذا لم تتعهد الملائكة بمسؤولية هذه الرسالة الكبيرة؟ فيجيب القرآن عن هذه الأسئلة فيقول : (أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِّنْهُمْ).
إنّ كلمة «منهم» تضمنت الجواب على سؤالهم ، أي إنّ القائد والمرشد إذا كان من جنس أتباعه ، ويعلم أمراضهم ، ومطلع على احتياجاتهم ، فلا مجال للتعجب ، بل العجب أن يكون القائد من غير جنسهم ، بحيث يعجز عن قيادتهم نتيجة عدم اطلاعه على وضعهم.
ثم تشير إلى محتوى الوحي الإلهي وتلخصه في أمرين :
الأوّل : إنّ الوحي الذي أرسلناه ، مهمته إنذار الناس وتحذيرهم من عواقب الكفر