(وَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانِ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا).
نعم ... إنّ خاصية المشاكل والشدائد الخطيرة ، أنّها تزيل الحجب عن فطرة الإنسان الطاهرة ، ويسطع عندها ـ ولو لمدّة قصيرة ـ نور التوحيد.
ثم تقول الآية : إنّ هؤلاء الأفراد إلى درجة من الجهل وضيق الافق بحيث إنّهم يعرضون بمجرد كشف الضرّ عنهم ، حتى كأنّهم لم يدعونا ولم نساعدهم : (فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرّ مَّسَّهُ كَذلِكَ زُيّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).
إنّ الله سبحانه هو الذي يزين الأعمال ، وذلك بجعل هذه الخاصية في الأعمال القبيحة والمحرّمة ، بحيث أن الإنسان كلما تلوّث بها أكثر ، فإنّه سيتطبع عليها ، وبمرور الزمن يزول قبحها تدريجياً ، بل وتصل الحال إلى أن يراها حسنة وجميلة.
وأمّا لماذا سمّت الآية أمثال هؤلاء «مسرفين» فلأنّه لا إسراف أكثر من أن يهدر الإنسان أهم رأس مال في وجوده ، ألا وهو العمر والسلامة والشباب والقوى ، ويصرفه في طريق الفساد والمعصية أو في طريق تحصيل متاع الدنيا التافه الفاني ولا يربح من ذلك شيئاً.
(وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (١٣) ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) (١٤)
الإعتبار بالظالمين السابقين : تشير هذه الآيات أيضاً إلى معاقبة الأفراد الظالمين والمجرمين في هذه الدنيا ، وقد نبّهت المسلمين ـ بعد أن أطلعتهم على تاريخ من قبلهم ـ إلى أنّهم إذا سلكوا نفس طريق هؤلاء ، فسينتظرهم نفس المصير. فالآية الاولى تقول : (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا). ثمّ تضيف : (كَذلِكَ نَجْزِى الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ).
ثمّ تبيّن الآية التالية هذا الأمر بصورة أكثر صراحة وتقول : (ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلِفَ فِى الْأَرْضِ مِن بَعْدِهِمْ لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ).
يستفاد من جملة : (وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا) أنّ الله سبحانه يهلك فقط اولئك الذين لا أمل في إيمانهم حتى في المستقبل ، وعلى هذا فإنّ الأقوام التي يمكن أن تؤمن في المستقبل لا يشملها مثل هذا العقاب.