وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُم بِإِيمَانِهِمْ). فإنّ نور الهداية الإلهية الذي ينبعث من نور إيمانهم يضيء كل آفاق حياتهم ، وقد اتّضحت لهم الحقائق باشراقات هذا النور بحيث لم تعد شراك المذاهب المادية وزبارجها ، ولا الوساوس الشيطانية وبريق المطامع الدنيوية قادرة على التعتيم على افكارهم ودفعهم في طريق الانحراف عن الصواب والحق.
إنّ وضع هؤلاء في الحياة الاخرى أنّهم (تَجْرِى مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِى جَنَّاتِ النَّعِيمِ).
إنّ هؤلاء يرفلون في محيط مملوء بالصلح والصفاء وعشق الله وأنواع النعم ، ففي كل وقت تنير وجودهم نفحة ورشحة من ذات الله وصفاته ، فإنّ (دَعْوَيهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللهُمَّ). وكلما التقى بعضهم بالآخر فإنّهم يتحدثون عن الصفاء والسلام (وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلمٌ). وأخيراً فإنّهم كلما إلتذوا بنعم الله المختلفة شكروا ذلك (وَءَاخِرُ دَعْوَيهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ).
(وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١١) وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَائِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (١٢)
الهمج الرّعاع : الكلام في هذه الآيات يدور كذلك حول عقاب المسيئين ، فتقول الآية الاولى بأنّ الله سبحانه إذا جازى المسيئين على أعمالهم بنفس العجلة التي يحب بها هؤلاء تحصيل النعم والخير ، فستنتهي أعمار الجميع ولا يبقى لهم أثر : (وَلَوْ يُعَجّلُ اللهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُم بِالْخَيْرِ لَقُضِىَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ). إلّاأنّ لطف الله سبحانه لما كان شاملاً لجميع العباد ، حتى المسيئين والكافرين والمشركين ، فلا يمكن أن يعجل بعذابهم وجزائهم لعلهم يعون ويتوبون ، ويرجعون عن الضلال إلى الحق والهدى.
وفي الختام تقول الآية : يكفي عقاباً لهؤلاء أن نتركهم وشأنهم ليبقوا في حيرتهم ، فلا هم يميزون الحق من الباطل ، ولا هم يجدون سبيل النجاة من متاهاتهم : (فَنَذَرُ الَّذِينَ لَايَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِى طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ).
عند ذلك تشير الآية إلى وجود نور التوحيد في فطرة الإنسان وأعماق روحه وتقول :