(وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْ لَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) (١٩)
إنّ هذه الآية ـ تتمة للبحث الذي مرّ في الآية السابقة حول نفي الشرك وعبادة الأصنام ـ تشير إلى فطرة التوحيد لكل البشر ، وتقول : (وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً).
إنّ فطرة التوحيد هذه ، والتي كانت سالمة في البداية ، إلّاأنّها قد اختلفت وتلوّثت بمرور الزمن نتيجة الأفكار الضيقة ، والميول الشيطانية والضعف ، فانحرف جماعة عن جادة التوحيد وتوجهوا إلى الشرك ، وقد انقسم المجتمع الإنساني إلى قسمين مختلفين : قسم موحّد ، وقسم مشرك : (فَاخْتَلَفُوا). بناءً على هذا فإنّ الشرك في الواقع نوع من البدعة والانحراف عن الفطرة ، الانحراف المترشح من الأوهام والخرافات التي لا أساس لها.
وقد يطرح هنا هذا السؤال ، وهو : لماذا لا يرفع الله هذا الاختلاف بواسطة عقاب المشركين السريع ، ليرجع المجتمع الإنساني جميعه موحّداً؟
ويجيب القرآن الكريم مباشرة عن هذا السؤال بأنّ الحكمة الإلهية تقتضي حرية البشر في مسير الهداية ، فهي رمز التكامل والرقي ، ولو لم يكن أمره كذلك فإنّ الله سبحانه كان سيقضي بينهم في اختلافاتهم : (وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبّكَ لَقُضِىَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ).
(وَيَقُولُونَ لَوْ لَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ) (٢٠)
المعجزات المقترحة : مرّة اخرى يتطرق القرآن الكريم إلى اختلاق المشركين للحجج عند امتناعهم عن الإيمان والإسلام : (وَيَقُولُونَ لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِءَايَةٌ مّن رَّبّهِ).
إنّ هؤلاء كانوا يظنون أنّ الإعجاز أمر بيد النبي صلىاللهعليهوآله وهو يستطيع أن يقوم به في أي وقت وبأية كيفية يريد ، ولهذا فإنّ القرآن الكريم يأمر النبي صلىاللهعليهوآله مباشرة : (فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ). وبناء على هذا ، فإنّ المعجزة ليست بيدي لآتيكم كل يوم بمعجزة جديدة إرضاءً لأهوائكم وحسب ميولكم ورغباتكم ثمّ لا تؤمنون بعد ذلك بأعذار واهية وحجج ضعيفة.
وفي النهاية تقول الآية بلهجة التهديد : (فَانتَظِرُوا إِنّى مَعَكُم مِّنَ الْمُنْتَظِرِينَ). فانتظروا العقاب الإلهي ، وأنا أنتظر النصر!