وهناك فئة ثانية يشخصون بأبصارهم إليك ، وينظرون إلى أعمالك المتضمنة أحقيتك وصدق قولك ، إلّاأنّهم عمي لايبصرون : (وَمِنْهُم مَّن يَنظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنتَ تَهْدِى الْعُمْىَ وَلَوْ كَانُوا لَايُبْصِرُونَ).
ولكن إعلم وليعلم هؤلاء أنّ قصور الفكر هذا ، وعدم البصيرة والعمى عن رؤية وجه الحق ، والصمم عن سماع كلام الله ليس شيئاً ذاتياً لهم نشؤوا عليه منذ ولادتهم ، وإنّ الله تعالى قد ظلمهم ، بل إنّهم هم الذين ظلموا أنفسهم بأعمالهم السيئة وعدائهم وعصيانهم للحق ، وعطلوا بذلك عين بصيرتهم وأذن أفئدتهم عن سماع الحق وإتّباعه ، ف (إِنَّ اللهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيًا وَلكِنَّ النَّاسُ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ).
(وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (٤٥) وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ (٤٦) وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) (٤٧)
بعد بيان بعض صفات المشركين في الآيات السابقة ، أشير هنا إلى وضعهم المؤلم في القيامة. تقول الآية : (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَن لَّمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِّنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ).
الاحساس بقلة مقدار الإقامة في دار الدنيا وقصره ، إمّا لأنّه بالنسبة للحياة الاخروية لا يبلغ سوى ساعة واحدة ، أو لأنّ هذه الدنيا الفانية انقضت بسرعة بحيث كأنّها لم تكن أكثر من ساعة ، أو لأنّهم لما لم يستفيدوا من عمرهم الاستفادة الصحيحة ، فيتصورون أنّها لا تساوي أكثر من قيمة ساعة.
يستفاد من الآيتان (٥٥ و ٥٦) من سورة الروم ، أنّ مجموعة من المجرمين يُقسمون في القيامة أنّ فترة برزخهم لم تكن أكثر من ساعة ، إلّاأنّ المؤمنين يقولون لهم : إنّ المدّة كانت طويلة ، والآن قد قامت القيامة وأنتم لاتعلمون ، ونحن نعلم أن البرزخ ليس متساوياً بالنسبة للجميع ، وسنذكر تفصيل ذلك في ذيل الآيات المناسبة.
ثم تضيف الآية أنّه سيثبت لكل هؤلاء في ذلك اليوم : (قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ